دويل مكمانوسقبل ثلاثة أسابيع، اتهم نائب الرئيس السابق ديك تشيني أوباما بـ«الارتباك». عندها، بدت التهمة سابقة لأوانها ونابعة من منطلق التعارض الحزبي بين الرجلين، لكن بدأ اليوم بعض مناصري أوباما يتساءلون إن كان تشيني على حق.
ظهر تردُّد الرئيس الأسبوع الماضي بوضوح، بعدما سرّب مساعدو البيت الأبيض أنّه طلب من الجيش «استراتيجيات خروج» إذا ساءت الأمور، ما اعتبره أحد المسؤولين أمراً «لا يمكن تبريره».
طرأت هذه الأسئلة بعدما أرسل سفير أوباما في أفغانستان كارل إيكينبيري مذكّرتين يشكّك فيهما في إحدى أهم فرضيات الحرب: هل تستطيع حكومة الرئيس الأفغاني حميد قرضاي إصلاح نفسها كفاية للوصول إلى النجاح؟
في نهاية الأسبوع، قال مسؤولون إنّ الرئيس ومستشاريه لا يفكرون جدياً في خفض عديد الجنود الأميركيين، وهم لا يزالون يتداولون في خيارات قليلة تتناول إرسال عشرات آلاف من الجنود الإضافيين. يتناول النقاش كيفية تعريف المهمة وبناء «سيناريوهات الخروج»، لكن دون تفنيدها.
هذه أسئلة صعبة، وتزيد صعوبتها حين يستمر النقاش حول سياسة ما أشهراً، ويتحوّل علنياً. ليست المسألة شكلية، فالمعركة في واشنطن تسبب مشاكل جدية للسياسية الخارجية الأميركية، وتبعث رسائل مبهمة للحلفاء والخصوم على حد سواء.
أوجز وزير الدفاع روبرت غيتس المعضلة الأسبوع الماضي بالعبارة التالية «كيف نحدد الحل، ونُعلم الأفغان والشعب الأميركي في الوقت نفسه بأنّنا لسنا بصدد التزام لا نهاية له؟».
النقاش المطوّل جعل أوباما يبدو متردداً، لأنّه كان كذلك فعلاً. والتسريبات عن المواقف المتناقضة منحت منتقديه ذخيرة للجدال الذي سيلي اتخاذه أي قرار. فإن اختار أوباما خفض عدد الجنود، فسيتّهمه الصقور بتجاهل نصيحة قائده العسكري الجنرال ستانلي ماكريستال الذي طلب 40،000 جندي إضافي. أمّا إذا زاد العدد، فسيتّهمه الحمائم بتجاهل نصيحة السفير إيكينبيري الذي قال إنّ الأعداد الإضافية لن تنفع.
عندما ترشح لمنصب الرئيس، اعتمد أوباما على حملة منظّمة لم تسرّب قط الخلافات الداخلية، ووحّدت صفوفها في القضايا المشتركة. لكن لم ينطبق الأمر على هذه العملية التي تحوّلت إلى معركة تسريبات وتسريبات مضادة لا تشبه طريقة عمل أوباما. هذه الشفافية، للأسف، تخلق مشكلة: سكان واشنطن يحبون تتبع بورصة الرابحين والخاسرين. تمنح عملية مضبوطة الخاسرين مجالاً للعضّ على جراحهم في الخفاء، دون الإضرار العلني بسمعتهم. لكن يبدو أنّ ما يحصل اليوم سينتهي إلى اتهامات علنية متبادلة.
لقد وتّر النقاش الدائر العلاقات بين الضباط العسكريين الذين اقترحوا التصعيد الأفغاني والسياسيين المدنيين الذين يديرون البيت الأبيض (أوباما، نائب الرئيس جو بايدن، رئيس موظفي البيت الأبيض راحم عمانوئيل). انزعج مسؤولو البيت الأبيض حين تسرب اقتراح مكريستال في تشرين الأول الماضي، واعتبروا ذلك محاولة من الجيش لتوريط أوباما.
الاحتكاك العلني بين مكريستال وإيكنبيري، وهو جنرال متقاعد، زاد من تعقيد الأمور. لقد مثّلت العلاقة المتجانسة بين قائد الجيش دايفيد بترايوس والسفير المدني ريان كروكر، أحد عوامل النجاح في العراق. أمّا في أفغانستان، فقد تصادم المسؤولان الأميركيان الأبرز، مراراً. وقد جعل ذلك العديدين في واشنطن يتكهنون برحيل أحدهما بعد اتخاذ أوباما قراره.

بوش كان يطلق النار أولاً ثمّ يطرح الأسئلة. أوباما يطرح الأسئلة المناسبة، لكنّه يتردّد في الضغط على الزناد
على أي رئيس ألا يلزم الجنود بحرب لا يعتقد أن استراتيجيتها مكينة. كما يجب ألا يوضع جنود تحت إمرة جنرال، إذا لم يكن قد جرى التحقق من فرضية استراتيجيته. وكما قال أوباما، هو يفضل أن يتخذ قراراً جيداً بدلاً من قرار متسرّع.
كان أوباما بحاجة لتطمين الجمهور الأميركي، وخصوصاً حزبه الديموقراطي، أنّه درس كلّ الاحتمالات قبل اتخاذ قرار تصعيد الحرب غير الواعدة. كان هذا سبباً كي يعلن عن جلسات البيت الأبيض، على غير عادة، مسبقاً، كما جرى تصويرها وإبلاغ الصحافيين عن مجرياتها.
يبدو أوباما متردداً لأسباب جوهرية وسياسية. في الربيع الماضي، كان يأمل مجيء حكومة أفغانية يرأسها شخص غير حميد قرضاي، لقد تبخّر هذا الأمل اليوم. قرأ تاريخ حرب فيتنام، وهو قلق من التورّط من دون وجود طوق نجاة إذا ساءت الأمور. لا يظنّ أنّه يستطيع إقناع الديموقراطيين المشككين في غياب طوق كهذا.
وصف المؤرخ العسكري إليوت كوهن الذي عمل مع إدارة جورج دبليو بوش (وهو يساند إرسال المزيد من الجنود) المعضلة على الشكل الآتي: «إذا ذهب قدماً في قراره، فسيكون بكل بساطة رئيس حرب». هذا يعني تخصيص المزيد من الموازنة لتمويل هذه الحرب، والأهم من ذلك تخصيص المزيد من وقته ورأسماله السياسي لهذا الأمر. يعني ذلك أيضاً إهمال برنامجه الداخلي الذي أبطأته المحن الاقتصادية والسياسية. لا عجب إذاً من أنّه يتردد.
لكن في النهاية، عليه أن يتخذ قراراً. كان أمراً جيداً أن يطلق أوباما مشروع مراجعة استراتيجيته في أفغانستان. لكن كلما طال الوقت، كان الثمن مرتفعاً.
(عن «لوس أنجلس تايمز»: صحيفة يومية أميركية قريبة من الديموقراطيين ـــــ ترجمة ديما شريف)