جبيل ــ جوانّا عازار«أهل الجرد ركّبوا الصوبيات من أكثر من شهر»، يقول أحد سائقي السرفيس، الذين يتوقفون عند مفترق نهر إبراهيم المؤدّي إلى قرى جرد جبيل. فموجات الصقيع بدأت تضرب تلك القرى الجبليّة منذ فترة، يقابلها ارتفاع في أسعار المازوت والغاز للتدفئة، وانقطاع دوريّ قاسٍ للتيّار الكهربائيّ، وخاصةً في القرى النائية الأحوج إلى ذلك التيار خلال الشتاء. هنا المواطنون عرضة للصقيع منذ بداية تشرين الثاني حتّى شهر أيار تقريباً، ستة شهور يقضونها في نوع من الاحتيال على الجوّ والكهرباء والبرد القارس، ولا تحلّ المشكلة عادةً إلا باعتماد الحطب.
«منذ أواخر شهر أيلول نبدأ بجمع الحطب للتدفئة»، يقول المواطن نديم عون من بلدة أدونيس الجبيليّة، متابعاً: «كان القسم الأكبر من الأهالي يعتمد على المازوت مادّة أساسيّة للتدفئة، لكنّ ارتفاع سعره أجبر كثيرين على الاستغناء عنه، والعودة أكثر إلى استخدام الحطب، لكنّهم يصطدمون في الوقت عينه بعدم السماح بقطع الأحراج، وهو إن كان مطلباً بيئيّا محقّاً، فإنّه السلاح المتاح للمواطنين في معركتهم ضدّ البرد القارس، فالصوبيات لا تنطفئ لا ليلاً ولا نهاراً في منازل كثيرة هنا». ففي بلدة أدونيس، كما في بلدات كثيرة أخرى، يتابع عون «لا يمكن الاتّكال على التيّار الكهربائي، الذي ينقطع باستمرار، إضافةً إلى أنّ فاتورة الكهرباء العالية، وعدم توافر الاشتراك في المولّدات الكهربائيّة في عدد من البلدات يدفعان بالمواطنين إلى الاتّكال أكثر على الحطب للتدفئة، مستفيدين كثيراً من الصوبيا في التدفئة، والطبخ في الوقت عينه».
فقرى جبيل التي يصل ارتفاع بعضها إلى أكثر من 1700 متر عن سطح البحر، تتأثّر بوضوح خلال فصل الشتاء بالبرد القارس، ما يدفع بالأهالي، إلى النزوح شتاءً من قراهم إلى المدن المجاورة، والعودة إليها مع انتهاء موجات البرد، وأقرب المدن التي ينزحون إليها عادةً، حتى استوطنوا شتاءً، هي نهر إبراهيم، التي نمت بفضل ذلك، وجبيل ومستيتا. «فالبقاء في القرى خلال فصل الشتاء بات باهظ الكلفة، بسبب غلاء المعيشة ووسائل التدفئة، إضافةً إلى ارتفاع كلفة الفاتورة الصحيّة، مع انتشار أمراض البرد، وخصوصاً عند الكبار في السن. ولم نتحدث بعد عن أنفلونزا الخنازير، المنتظر أن تفتك بالمنطقة التي تندر فيها المستوصفات، والتي تتقطّع طرقاتها، وتنعزل خلال فصل الثلوج، مما سيجعل الأهالي وحدهم في مواجهة كل ذلك»، كما تقول رينيه مرهج، التي تسكن في بلدة عنّايا. آخرون من قرى جبيل يلجأون إلى الغاز للتدفئة، «بالرغم من أن سعره أيضاً مرتفع فإنّه يبقى حلاً جيّداً لكثيرين، ووسيلة تدفئة متوافرة لعديدين»، تقول ريتا صقر، التي تسكن وأهلها صيفاً وشتاءً في بلدة مشحلان، مضيفةً: «المدافئ الكهربائيّة، والأخرى التي تعمل على الغاز تبقى أوفر من المازوت، كما أنّها باتت متوافرة في كلّ منزل تقريباً لانخفاض سعرها، وسهولة استعمالها، وفعاليّتها، وخصوصاً بوجود الأطفال داخل المنزل، لكن تبقى مشكلتها، بالطبع انقطاع التيار».


الأكثر مبيعاً

في جولة على عدد من المؤسّسات التجاريّة التي تبيع الأدوات المنزلية في منطقة جبيل، تبيّن أنّ المدافئ الكهربائيّة تأتي في طليعة مبيعات وسائل التدفئة للسنتين الأخيرتين، برغم التقنين القاسي الذي تعانيه منطقة جبيل، وخاصةً جردها المرتفع من التيار. وقد يعود ذلك إلى رخص كلفتها، حيث يبلغ سعر الرخيصة منها، وهي كثيرة، نحو عشرين ألف ليرة، ما يجعلها في متناول فئات المجتمع كلّها، من الساحل والقرى الجبليّة، فضلاً عن عدد لا يستهان به من مدافئ الغاز، التي تجد بسهولة سوقاً لها، وخصوصاً في القرى الجبليّة. لكن مشكلة «الدفايات» الكهربائية مثلها مثل المكيّفات في التقنين القاسي للتيار الكهربائي ، وغياب المولّدات.