تصديق وكالات المحامين، تمثيل النقيب في المناسبات، وإطلاعه على شؤون أبناء المهنة، هذه هي الصلاحيات الممنوحة لمكاتب نقابة المحامين في المناطق. وحدها نقابة طرابلس تحظى باستقلالية تتيح لها إدارة شؤون المهنة في الشمال
سوسن بدران
قامت الدنيا ولم تقعد بالنسبة إلى المحامين، على أثر اعتداء عناصر من القوى الأمنية أخيراً على بعض زملائهم في طرابلس. أجمع محامو لبنان على إدانة الحادثة كونها تطال كرامة المهنة وهيبتها، وأعلنوا تضامنهم مع المُعتدى عليهم في الشمال، فأضرب المحامون عن العمل في المحاكم ليوم واحد، كما أضربوا عن حضور الجلسات فيها. إذا دققنا في «يوميات أبناء المهنة»، فسنتذكر أنه قبل بضعة أشهر من حادثة طرابلس، تعرّض المحامي علاء الدبس في منطقة النبطية، حيث يمارس المهنة، لاعتداء مماثل على يد الجهة نفسها، لا بل أكثر من ذلك فإن الدبس أُدخل المستشفى بسبب الإصابات البالغة التي ألمّت به نتيجة الاعتداء، ومع ذلك فإن ردود الفعل لم تتعدَّ «الشجب المحلي»، إذ إن مكتب ممثل النقيب في منطقة النبطية، كسائر المكاتب في المناطق، ليس بوسعه التحرّك والقيام بأي خطوة، قبل الحصول على الضوء الأخضر من نقيب المحامين في بيروت، فصلاحيات هذا المكتب محدودة ومقيّدة.
الاختلاف في ردة الفعل تجاه الاعتداء على المحامين في طرابلس، والاعتداء على الدبس في النبطية، دفع محامياً شارك في لقاء مع أحد أعضاء مجلس نقابة المحامين في بيروت، للتساؤل «هل لأننا محامون في الجنوب ما حدا بيطّلع فينا»؟ هذا السؤال يردده أكثر من محام، وهو يساهم في فتح النقاش واسعاً، عن مدى صعوبة إيصال صرخة المحامين ومعاناتهم في ظل الصلاحيات الضيقة الممنوحة لمكاتب ممثلي النقيب في المناطق، والنقاش تالياً بشأن صحة استحداث نقابات مستقلة للمحامين في المناطق وإمكانية ذلك، على شاكلة نقابة المحامين في طرابلس، فهي تتمتع وفقاً للمادة 33 من قانون تنظيم مهنة المحاماة الرقم 8/70 الصادر في 11/3/1970، «بالشخصية المعنوية، والاستقلال المالي والإداري»، ما يعطيها الحق بالتحرك سريعاً واتخاذ المواقف، إزاء أي حادث قد يتعرض له المحامون في الشمال، بمعزل عن نقابة المحامين في بيروت.
من المستبعد إنشاء نقابات للمحامين، هذا ما يجمع عليه المحامون، «فتقسيم النقابة يؤدي إلى تشتتها وتشرذمها، في الوقت الذي نسعى فيه دائماً إلى توحيد جسم المحاماة، لتأمين فعالية وتواصل أكبر داخل النقابة» يقول ممثل مكتب نقابة المحامين عن منطقة النبطية محمد عواضة، شارحاً المسؤوليات الملقاة على عاتق النقابة «وهي تنظيم الأمور الداخلية فيها ومراقبة شؤونها والسهر على مسلك المحامين، وإصدار التعليمات اللازمة المتعلقة بممارسة المهنة، إضافة إلى وضع الموازنة السنوية واستيفاء الرسوم المتوجبة على المحامين وغيرها، وكل هذه المسؤوليات تضيع إذا تجزّأت النقابة، ونذكر هنا أن أي نقابة لا يمكن أن تسير بعدد قليل من المنتسبين إليها، نظراً لمحدودية وارداتها، ما يحول دون تقديم الخدمات اللازمة المخصصة للأعضاء، وتغطية مصاريفها».
في المقابل، يدعو عواضة إلى إلغاء نقابة طرابلس وتوحيدها مع نقابة بيروت لخلق تفاعل أكثر مع أبناء المهنة الواحدة في كامل أرجاء الوطن، سارداً ظروف إنشائها تاريخياً، إذ «كانت تتمتع منطقة طرابس بخصوصية تميزها عن باقي المناطق، وهي رغبتها بالانضمام إلى سوريا، فتم إرضاؤها بمنحها نقابات مستقلة عن العاصمة».
أياً تكن ظروف إنشاء النقابة فإن الكثير من المحامين يطرحون تساؤلات عن جدوى إبقاء نقابة للمحامين في طرابلس تعمل وحدها مستقلّةً تماماً عن النقابة الأم في بيروت، وخصوصاً أنها تتمتع بنظامها الداخلي الخاص، ولها هيكليتها الإدارية الخاصة. يُذكر أنه يُحظّر على المحامين الانتساب إلى النقابتين معاً، وفقاً للمادة 4 لقانون تنظيم المهنة التي تنص على أن «تسجل في نقابة بيروت أسماء المحامين المتخذين مكاتب لهم في جميع المحافظات اللبنانية، ما عدا محافظة لبنان الشمالي. تسجل في نقابة طرابلس أسماء المحامين المتخذين مكاتب لهم في محافظة لبنان الشمالي. لا يحق لمحام أن يمارس المحاماة في لبنان إذا لم يكن اسمه مسجلاً في إحدى النقابتين. ولا يجوز تسجيل اسم محام في النقابتين معاً».
إذا كان استحداث نقابات في المناطق أمراً مرفوضاً بحسب المحامين، لتخوفهم «من التقسيم المناطقي ــــ المذهبي الذي يطال النقابة وتالياً المحامين، وخصوصاً أننا في بلد صغير»، فإنه يبقى أمر تفعيل مكاتب ممثلي النقابة في المناطق هو المطلب الملّح والضروري، إذ «إن هذه المكاتب محدودة صلاحياتها، وفيها ممثل للنقيب وموظف يقوم بالأعمال الإدارية الروتينية»، بحسب تعبير المحامية مريم الشامي، التي تردف معددة المهمات الضيقة المسندة إلى المكتب وهي «تصديق وكالات المحامين وتسجيلها، تمثيل النقيب في

المحامون في المناطق يشكون «ما حدا بيطلّع فينا»
الاحتفالات والمناسبات المهنية، الاطلاع على شؤون المحامين، بيد أنه ليس باستطاعته القيام بأي خطوة دون مراجعة النقيب، وتشكو الشامي كغيرها من محامي النبطية من غياب أجير موقف موظف من النقابة، في موقف السيارات المخصص للمحامين في قصر عدل النبطية، ما دفعهم إلى «توظيف عامل على حساب المحامين الخاص»، تتابع الشامي «نطالب بزيادة عدد الموظفين وتوسيع مهمات المكتب، لتشمل الاستحصال على أذونات بملاحقة زملائهم، وإمكانية استلام الرسوم المسدّدة من المحامين، وإعطاء حوافز لممثل النقيب تمكّنه من متابعة شؤونها».
يعترض المحامون المتدرجون المقيمون في المناطق البعيدة عن العاصمة لصعوبات أثناء انتقالهم لتلقّّي المحاضرات الإلزامية في بيت المحامي في بيروت، وكحل لهذه المشكلة تقترح الشامي «إقامة محاضرات جوّالة في المناطق». بيد أن هذا الاقتراح وغيره، يبقى مجرد حبر على ورق إذا «لم يبدأ العمل بورشة قانونية لتحديث قانون نظام المهنة، بدءاً بمنح صلاحيات لمكاتب المناطق وصولاً إلى زيادة عدد أعضاء مجلس النقابة»، وهي اقتراحات بعهدة المجلس الجديد المنتخب أخيراً، والنقيبة الجديدة أمل حداد التي يفترض أن تعيّن ممثلين لها في المناطق خلال هذا الأسبوع.


هكذا يعيّن النقيب ممثله

تتوزّع مكاتب ممثلي نقابة محامي بيروت، في كل دائرة قضائية حيث تكون المحاكم، باستثناء محافظة الشمال، علماً بأنها «كانت محصورة في المحافظات قبل 10 سنوات تقريباً» وفق ما جاء في شرح المحامي محمد عواضة الذي يقول إن «رؤساء هذه المكاتب هم ممثلو النقيب لا النقابة، وتالياً فإنهم يتلقون تعليماتهم من النقيب مباشرة ويستمدون صلاحياتهم منه».
تنص الفقرة الرابعة من المادة 60 من قانون تنظيم مهنة المحاماة، على أن يقوم النقيب بـ«تعيين ممثل للنقابة في مركز كل دائرة قضائية وتحديد صلاحياته وإقالته». هذا التعيين، بحسب ما يوضح عضو مجلس نقابة المحامين في بيروت المحامي حسين زبيب «يقوم به سنوياً النقيب، من دون تحديد معيار للاختيار، لأنه ليس منصباً رسمياً في النقابة، أضف إلى أن قانون تنظيم المهنة لم ينص على آلية محددة لذلك، ولا على الصلاحيات التي يتمتع بها ممثل النقابة، وللنقيب وحده استنسابية اتخاذ القرار في هذا الشأن، كونه يختار من يمثّله».