خرج اللبنانيون وأبناء المخيمات، أمس، للتضامن مع المسجد الأقصى ضد الاعتداء عليه، الأحد الماضي، في تظاهرتين في بيروت. الأولى دعا إلى المشاركة فيها حزب الله واقتصرت على داخل مسجد القائم، والثانية دعت إليها فتح في منطقة الطريق الجديدة. لكنّ المشاركة في النشاطين جاءت ضعيفة ولم تتعدّ مئات المشاركين، ما يطرح أسئلة عن التشتّت في التضامن مع القضايا المحورية، وخصوصاً أن المناطق كانت الغائب الأكبر
قاسم س. قاسم
خرج عماد حداد من منزله، صرخ منادياً رفاقه في مخيم برج البراجنة. قرروا عدم التضامن مع الأقصى من داخل المخيم، بل «من أمام مجمع القائم في الجاموس، لأن حزب الله داعيلها، والكل بيعرف تضحيات الحزب مشان فلسطين» يقول حداد. عماد وأصدقاؤه من غير الملتزمين دينياً. لا بل إنهم يفتخرون بأنهم علمانيون ويساريون «حتى العظم». لكن «عدا عن كوني فلسطينياً»، فإن ما يجري للأقصى «لا يمكن السكوت عنه، إذ إن أقدس مقدساتنا انتُهك، وإن لم يكن لنا ردّ فعل، فذلك سيدفع الصهاينة إلى انتهاك المزيد».
ااعتداء الأحد الماضي على المسجد ليس الأول من نوعه، وبالطبع لن يكون الأخير. لكن حين كان يهدَّد المسجد سابقاً، كانت شعوب المنطقة تفور وتغضب ثم تعود لتهدأ. كان الأمر أشبه «بقنينة بيبسي بتفور لما بتخضها وبترجع بتهدا». أمس، لبّى المئات دعوة حزب الله، هكذا صدحت مآذن الجوامع بالقرب من مخيم برج البراجنة منذ الليل السابق وقبل الاعتصام بقليل «لتلبية نداء الأقصى والتضامن معه». لكنّ المشاركة لم تأت على مستوى الحدث.
أمام جامع القائم، يجلس عماد وصديقاه في مقهى قريب بانتظار بدء الاعتصام. يلكز عماد صديقه مشيراً بإصبعه نحو التلفزيون. يمرّ الخبر أمامهم «عاجل: وصول 18 أسيرة بسيارات الصليب الأحمر إلى الضفة الغربية». يعلّق الشاب «الحمد لله». لحظات ويعلو صوت عرّيف الخطابة من الجامع سائلاً «ما بالنا ننسى المسجد الأقصى؟ من لأجله في السجون يتعذب الأسرى»؟ يعلن الرجل بدء إلقاء الكلمات، يلتفت عماد إلى أصدقائه «يمكن التضامن بالجامع؟» يدور نقاش بينهم في شأن الدخول إلى الجامع أو سماع الكلمات من الخارج. يترك عماد أصدقاءه ليقف، ربما كتسوية للنقاش، على باب الجامع. يعتلي مسؤول المكتب السياسي لحماس في لبنان أسامة حمدان المنبر ليلقي كلمة ركّزت على ثلاث نقاط: الأولى توجّه فيها إلى المتقاعسين، معتبراً «أن من يفرّط بالأقصى مستعد للتفريط بمقدسات الأمة». الثانية :للعدو الذي حذّره من تبعات «امتحان إرادتنا. إذا جرّب تهديم الأقصى فإنه سيرى ما لا يسرّه». أما الثالثة: فلشعوب الأمة طالباً منها «أن تكسر جدار الخوف من الطغاة»، متسائلاً عن «معنى أن يعتدى على المقدسات وتظل الشعوب صامتة». أما كلمة حزب الله فألقاها الشيخ أكرم بركات الذي رأى أن «المسجد الأقصى ليس منطقة للتفاوض السياسي، وهو ليس حكراً على المقدسيين أو الفلسطينيين، بل هو لكل المسلمين في العالم». انسحب المصلّون بعد انتهاء صلاتهم بهدوء. لا تظاهرة إذاً؟ يخرج حداد ليجد أن معظم من تركهم في الخارج قد ذهبوا.
وفي نشاط مواز، انطلقت عقب صلاة الجمعة مسيرة من أمام مسجد الإمام علي (رض) إلى مثوى شهداء الثورة الفلسطينية، عند مستديرة شاتيلا، لنصرة القدس واستنكاراً لتهويدها.
ساد اعتقاد لدى الناس بأن مسيرات غضب ستنطلق من المساجد والجوامع
تقدمت المسيرة صور ضخمة للرئيس الشهيد أبو عمار والرئيس محمود عباس (أبو مازن) وخلف الصور سارت فرق موسيقية ورفرفت الأعلام الفلسطينية واللبنانية، بمشاركة أمنية لبنانية كثيفة لحماية المسيرة.
شارك في المسيرة الشيخ الدكتور هشام خليفه ممثّلاً مفتي الجمهورية اللبنانية الدكتور محمد قباني، منسّق عام الحملة الأهليه لنصرة فلسطين والعراق معن بشور، عضو المجلس الثوري لحركة فتح اللواء خالد عارف، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية محمد زهدي النشاشيبي وآخرون. وفي مدينة المنية اقيمت لقاءات تضامنية في عدد من الجوامع، واحرق العلم الإسرائيلي. أما في مدينة المقاومة صيدا، فكتب مراسل الأخبار خالد الغربي أن «انتهاك حرمة المسجد الأقصى لم يعد حافزاً لتحريك مشاعر الغضب ضد العدو الإسرائيلي، مع أن صيدا مدينة اعتادت أن تكون أم الصبي متى كان الأمر متعلقاً بقضية الصراع العربي ـــــ الإسرائيلي»، كما علّق الشاب الجامعي الصيداوي مصطفى الشامية على غياب أي ردّ فعل شعبي صيداوي مناصر للأقصى كان أبناء المدينة يتوقعون حصوله عقب الانتهاء من صلاة الجمعة. «الضمير الشعبي غارق في سبات عميق»، يقول الشامية. وكان قد ساد اعتقاد لدى الصيداويين بأن مسيرات غضب ستنطلق من بعض مساجد المدينة، بينما توقع آخرون تنفيذ اعتصامات، ولو رمزية، بعد الصلاة، لكن أياً من هذا أو ذاك لم يحصل. «فلا حناجر خرجت تقول لبيك يا أقصى» ولا «اعتصامات»، واقتصر الأمر على ما لفت إليه بعض أئمة المساجد وخطباء الجمعة من أن تهويد القدس والمس بالمسجد الأقصى يعدّ مسّاً بالدين الإسلامي ويجب عدم السكوت عنه ومطالبة المجتمع الدولي بالتدخل لوقف هذه الانتهاكات، أي إن تلك المواعظ بقيت داخل جدران المساجد، ولم تتعدّها. حتى إن بعض الأئمة لم يفته الحديث عن «مخططات مشبوهة لدولة إقليمية تسعى إلى زعزعة أمن الخليج (في إشارة واضحة إلى إيران)»، ووصف ذلك بالخطر الداهم الذي يجب التوقف عنده والتصدي له، بينما أئمة آخرون أشادوا بالتقارب السعودي ـــــ السوري وبحكمة رئيس الحكومة المكلّف سعد الدين الحريري.
وكما صيدا التي غابت عنها مظاهر الدعم ونصرة الأقصى، كان الأمر شبيهاً داخل مخيم عين الحلوة، إذ لم يشهد أي تحرك، علماً بأن نشاطين خجولين شهدهما المخيم بداية الأسبوع الحالي لحركة فتح وآخر لحماس، أما خطباء المساجد فقد دعوا الخطباء المسلمين على امتداد العالم إلى إعلان الجهاد ضد اليهود والتصدّي لهم لمنع استباحة مقدساتنا.