في القرية الفرنكوفونية، في مجمع الحدث، في النوادي الرياضية والمسارح التي تقام فيها فعاليات الدورة السادسة للألعاب الفرنكوفونية، تراهم يتجولون بهمة ونشاط، رغم ساعات العمل التطوعية الطويلة. 800 شاب وشابة من الجامعيين اللبنانيين يشيدون بتجربة ثرية يخوضونها
رنا حايك
«مبارح طلعت من البيت 7 الصبح، ورجعت 2 بالليل. كتير عم باتعب بس كتير عم نتسلى لو ما هيك ما بابقى. كل يوم بالليل بعد المباريات فيه حفلة بالمجمّع، ما منشعر بالوقت. مبارح حطوا موسيقى دبكة، ورقصوا معنا بعض المشاركين الأفارقة»، تقول تالا، التي ترتاد يومياً مجمع الحدث حيث تقضي ساعات طويلة برفقة الوفود المشاركة، تساعد على تلبية احتياجاتهم وعلى السهر على راحتهم. كانت تالا قد ملأت استمارة التطوع منذ عام تقريباً في جامعتها (القديس يوسف)، وأُلحقت بفريق المتطوعين إثر مقابلة أجرتها معها لجنة خيّرتها في ما تريد المساهمة به: لجنة استقبال بروتوكولية في المطار، مرافقة لوفد مع تحديد المجال ثقافياً كان أم رياضياً، أو مهمات أخرى من شأنها تسهيل تواصل المشاركين مع الإدارة ومع محيطهم من رجال الأمن والسائقين والإعلام وما إلى هنالك من أمور قد يحتاجون للاستفسار عنها. بعد مرور أيام عدة على بدء العمل، تشيد تالا بالتجربة الغنية قائلة «عم نتعرف عكتير ناس من كل بلدان العالم». في سن الاكتشاف، تكاد دوافع المتطوعين جميعاً تتشابه. التعرف على الآخر، المختلف ثقافياً واجتماعياً، وذي الاتجاهات المماثلة أحياناً، فمثلاً، اختارت لما زوين، وستيفاني ريشة وجوزيف قاعي، مرافقة المشاركين في المسابقات الثقافية والفنية، لأن الطلاب الثلاثة يتابعون دروسهم في مجال الإدراة الفنية في الأكاديمية اللبنانية للفنون الجميلة. «تعتبر هذه النشاطات مؤسِسة بالنسبة لنا، لأننا نحتك بالفنانين عن قرب ونتابع جميع العروض المصاحبة لفعاليات الدورة» تقول لمى، بينما تضيف ستيفاني «الجو رائع رغم كل التعب، فمن الشيق رصد الفوارق الثقافية بين مختلف الجنسيات. مثلاً، يضع الأوروبيون خطة ويتبعونها، بينما أسلوب حياتنا نحن اللبنانيين يرتكز على عيش كل لحظة بلحظتها». أما آلة باسيل، فتسرد استغراب المشاركين الزوار من بعض السلوكيات، وخصوصاً تلك المرورية «إنو ليش الشوفور بيمد إيده تيقطع رغم إنو عاطي إشارة؟!». وفي ما يتعلق بالخطط والتنظيم، يعترف جوزيف بأن «التعامل مع الأفارقة أسهل لأنهم أكثر تساهلاً وتلقائية، مثلنا، بينما الأوروبيون يدققون جداً في التفاصيل وينشدون الكمال في كل شيء».
وفيما يشيد جميع المتطوعين بالتجربة، إلا أن بعضهم يلمّح إلى صعوبة التعامل مع الوفود الفرنسية والكندية الذين قد يعامل بعضهم بعضاً بتعال أحياناً أو يبالغون بطلباتهم ثم يبدون استغرابهم بعدما معرفتهم أن المتطوعين هم من الطلاب!
وبما أنهم طلاب، فإن المتطوعين يتغيبون هذه الأيام عن محاضراتهم التي بدأت، إلا أنهم يحظون بـ«غياب مبرّر» أقرته جامعاتهم، مثل ذلك الذي تحظى به لارا في الجامعة اليسوعية، أما من لم يكن طالباً منهم، فهو يحاول التوفيق بين ساعات التطوع وساعات عمله. رندا مثلاً تحاول التوفيق بين عملها في إدارة إحدى الشركات، وفي دوامها كأستاذة محاضرة، ودافعها للتطوع هو «أن أكون جزءاً من حدث كبير كهذا، وخصوصاً أنه يخدم صورة لبنان». كارلوس، بدوره، يحاول التوفيق بين مهنته في الهندسة وساعات التطوع و«ما فرقانة معي المصاري طول ما أنا مبسوط». فهو يعترف بأن الشابات أكثر إقبالاً على فرص التطوع من الشبان الذين تقع على عاتقهم مسؤوليات مادية أكبر، لدرجة «تعلّمت كلمة بلّوشة من محيطي اللي كانوا يستغربوا كيف عم باشتغل ببلاش ويقولولي شو الله جابرك؟!».


الفتيات أكثر إقبالاً من الفتيان

«لدينا 800 متطوع، بالإضافة إلى 200 من شبيبة الصليب الأحمر وهو عدد كاف» تقول المسؤولة عن المتطوعين أندريه نحاس، بينما تضيف زميلتها، أنجليك بعينو «كنا نعتقد أننا سنحتاج لـ500 متطوع فقط لكننا اكتشفنا لاحقاً أن المهمات كثيرة». تسرد بعينو المعايير التي اعتُمدت لاختيار المتطوعين فتشدد على إتقانهم اللغة الفرنسية لأنهم يقومون بدور «ضابط ربط» بين الوفود، التي تمثّل الفرنسية لغتها الجامعة، واللجنة الإدارية للدورة، كما على خيارات المتطوعين أنفسهم، وتضيف «بلغت نسبة المتقدمين من الفتيات 85%، لكن ذلك لم يمثّل مشكلة» خاتمة «هم يتمتعون بالحماسة والنشاط، وقد خصصنا لهم غرفة استراحة يلجأون إليها خلال نهارهم الطويل، كما أمّنا لهم المواصلات».