يسهل على من يزور تركيا أن يسأل: «ماذا يمكن ثمانين شاباً فلسطينياً يدرسون في إسطنبول وثلاثمئة لاجئ آخر يقيمون بين أزمير وأنقرة وإسطنبول، أن يفعلوا للقضية الفلسطينية؟». على الأرجح، ليس الكثير، وخصوصاً أن معظمهم يتنازلون في الدفاع عن قضيتهم لأتراك تتوغل حكومتهم في التطبيع
اسطنبول ــ آمال خليل
بعد اطّلاع الزائر على التعاون العسكري والتجاري والثقافي والدبلوماسي بين تركيا وإسرائيل، يكتشف أن هذه الأخيرة ليست أمراً واقعاً فحسب هنا، بل أمر مستحب أيضاً. واقع لم تنأَ عنه الحكومات المتعاقبة العلمانية والإسلامية فحسب، بل بعض الأحزاب أيضاً، على اختلاف عقائدها، والمؤسسات والجامعات وغيرها، رغم المواقف التركية الحكومية المتشددة التي شهدنا آخرها أيام العدوان على غزة في مطلع العام الحالي.
وفلسطين في إسطنبول تعتمد على الأتراك أكثر من اعتمادها على أبنائها. فهؤلاء، بحسب الكثيرين منهم، متأثرون بالانقسامات الداخلية الفلسطينية، فضلاً عن تسلل الفساد المالي والعقائدي إلى نفوس البعض منهم. وقد كان اتحاد الطلبة التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية إحدى ضحايا ذنوب الداخل والشتات، إذ انهار قوامه وتجمدت أنشطته كاملاً منذ تسع سنوات في تركيا. أماً حالياً، فإلى جانب العناصر اليسارية المنتشرة هنا وهناك، يبرز التيار الإسلامي المرتبط بحركة حماس الذي ينحصر نشاطه بدعم العناصر التابعة له بالمال، على غرار المؤتمر الدولي الذي نظمه في إسطنبول، قبل أشهر، للجماعات والأفراد الذين يموّلون أعمال الحركة.
الطالب نقولا سعافين لاجئ فلسطيني إلى الأردن، يتخصص في الطب منذ سبع سنوات في جامعة إسطنبول. كثيرون يجدون في الشاب مثالاً إيجابياً وسلبياً لحال الشعب الفلسطيني في آن واحد. فهو العضو الفلسطيني الوحيد في جمعية التضامن مع الشعب الفلسطيني التي أسسها ثلاثون يسارياً تركياً في عام 2005، بالإضافة إلى عمله مترجماً وناشطاً من أجل قضايا اليسار التركي والعربي والعالمي. قد يكتفي الأتراك بنشاط زميلهم نقولا، لكنهم لا يتوانون عن انتقاد العدد الأكبر من الطلاب الفلسطينيين في المدينة الذين يمتنعون عن مناصرة قضيتهم بالقول والفعل أيضاً. فالناشطون الفلسطينيون يُعَدّون أقل من أصابع اليد الواحدة، بحسب أحد مؤسسي الجمعية: اثنان من فتح واثنان من حماس ويساري واحد.
يؤكد نقولا أن تركيا «تُعَدّ مساحة مؤهلة للدفاع عن فلسطين، رغم أن إسرائيل متغلغلة على الصعيدين الشعبي والرسمي فيها». ولمواجهة التطبيع التركي الكامل مع إسرائيل، يجنّد نقولا نفسه ومن ورائه جمعية التضامن والأحزاب اليسارية لإطلاق «الحملة الفلسطينية العالمية لمقاطعة إسرائيل أكاديمياً لثني الأتراك عن الانتساب إلى الجامعات الإسرائيلية أو استقبال الجامعات التركية لإسرائيليين». ويوضح نقولا أن الوضع في تركيا يختلف عن بعض البلدان التي تفتح أسواقها للبضائع الإسرائيلية. فالتعاون التجاري بين الطرفين يتخطى المنتجات الصغيرة إلى مستويات أعلى، مثل فوز شركة إسرائيلية قبل أيام بمناقصة لمشروع نزع الألغام على الحدود التركية السورية، واستعانة الجيش التركي بدبابات جبرا الإسرائيلية في قتاله حزب العمال الكردستاني. أما على أجندة الجمعية للفترة المقبلة، فهناك دورات مستمرة لتعليم اللغة العربية والكلام العامي باللهجة الفلسطينية على يد نقولا. أضف إلى ذلك الإعداد لمعرض كاريكاتوري باسم ناجي العلي يشارك فيه رسامون عالميون يناصرون القضية الفلسطينية. أما القضية الأهم التي تتجند لها الجمعية، فهي خلق سبل تعاون بين التعاونيات الزراعية والصناعية التركية ومثيلاتها الفلسطينية في مخيمات الشتات لتبادل المنتجات وفتح الأسواق التركية أمام المنتج الفلسطيني.


ازدواجية الحكومة تصعّب المهمة

يرى الكثير من الشباب الأتراك المعارضين أن الحكومة «تبيع الوجدانيات للعرب وتشتري المصالح من إسرائيل في الخفاء. وبهذا تكسب رضى نفسها والجميع في الشرق والغرب، لكنها لا تنتزع حقوقاً عملية للفلسطينيين. هذه الازدواجية تصعّب مهمة نصرة القضية أمام الفلسطينيين في تركيا». فبعد يومين من المشادة التي وقعت بين رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان والرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز في مؤتمر دافوس قبل أشهر، وقّع الطرفان اتفاقاً لتنفيذ مناورات عسكرية أميركية تركية إسرائيلية مشتركة في الأجواء التركية. المناورات تتواصل منذ أسابيع، خارقة سماء تركيا، فيما تفتح الحقول ذراعيها للطيارين الإسرائيليين المتدربين عملاً باتفاق موقّع بين الطرفين في عام 1994.