مراجعة الانحدار الذي وصلت إليه السياسة الثقافيّة العربيّة وما تنتجه من رموز هي وظيفة المثقف العربي
إضافة إلى الدور الأميركي الموارب، برز دور فرنسي غير واضح المعالم ومتأثر بصديق وزير الخارجية برنار كوشنير وملهمه، متفلسف التلفزيونات، برنار هنري ليفي. فدبجت المقالات والبيانات التي تندد بفاروق حسني لأنه تحدث عن حرق الكتب الإسرائيلية (يا له من تصريح يليق بوزير للثقافة!) إن هي وجدت في مكتبات وزارته. كذلك هاجمته هذه النوعية من الأدبيات بأنه شارك ـــــ وهذه معلومة استخبارية طازجة استنبطتها مخيّلات أو وثائق الناشطين المؤثرين اليهود ـــــ في عملية تهريب المتهمين في إحدى العمليات الإرهابية في إيطاليا. فقط؟ نعم، هذه هي مبررات الهجوم والتنديد، ولم نجد أيّ ذكر لدوره كوزير للثقافة لمدة ناهزت عقدين، فيما الثقافة عانت منه بما يكفي خلال ذلك الزمن، وصار المثقفون المصريون يبتعدون عن هذه المؤسسة التي كانت، حتى في أوج المرحلة الموسومة باللاديموقراطية إبان الحقبة الناصرية، ملجأً للفكر وللإبداع. لكن، هل يمكن الإشارة فحسب إلى امتناع «الآخر الغربي» عن التطرق إلى ما يمثله هذا المرشح من الناحية الفكرية، بعيداً عن اللجوء إلى العزف على وتر عقدة الذنب الأوروبية المستمرة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، ودور هذه الحضارة في إبادة عدد (لن نختلف عليه) من أتباع الدين اليهودي أو ترحيلهم إلى معسكرات الاعتقال النازية، رضي محرّفو التاريخ الشعبويون أم لم يرضوا؟ لماذا لم تتوقف الأقلام العربية «الحرة» أمام استقالة غالبية المثقفين العرب عن «إدانة» هذا الترشيح ورمزيته؟ لماذا لم نقرأ، سوى لقلة قليلة اعتراها الخجل والتحسّب، مواقف واضحة من بُعدَي المسألة، الترشيح والخسارة؟ كم كان مخجلاً أن تتحفنا الشاشات العربية بصور كتاب وشعراء يمارسون المديح للمرشح كأنه أبو العلاء المعرّي؟ لماذا لم يتركوا، في أحسن الأحوال، الأمر لأصحابه من ساسة وطبّاخ السياسة وصنّاع المناصب، بعيداً عن إعطاء الأمر صدقية ثقافية مرفوضة؟
كم هو مشين للثقافة العربية التي تعيش عصر انحطاط جزئي أن تستكمل صورتها وتنضم إلى جوقة الملحنين والمطربين لترشيحات سياسية أقل ما يقال فيها إنها تقول للعالم: هذه بضاعتنا، وهذا هو مستوى ثقافتنا، وهذا أفضل الموجود؟
من الجيّد بالنسبة إلى الثقافة العربية والعالمية أن فاروق حسني لم ينجح. ومن دون أن نغيّب السبب الحقيقي لخسارته، إلا أن مراجعة الانحدار الذي وصلت إليه السياسة الثقافية العربية، وما تنتجه من رموز، هي وظيفة المثقف العربي، قبل أن ينبري إلى إلقاء اللوم، وإن كان مبرراً، على المؤامرات «اليهودية والصهيونية والإسرائيلية». لو كان العرب الرسميّون قد قرروا فعلاً التصدّي لهذا المنصب، على أهميته أو سخافته، (فليس هنا مجال البحث في المعايير)، وأرادوا إيصال عربي بالثقافة أو الانتماء إلى موقع مرموق بالمعايير الدولية، لكان مطلوباً منهم ممارسة القليل من العصف الذهني للبحث عن رمز ثقافي مقنع نسبياً، ولو كانت النتيجة في كل الأحوال الخسارة.
أما اليوم، فهذه هي بضاعتكم رُدّت إليكم.
* باحث سوري