بنت جبيل ــ داني الأمين يحل فصل الخريف ضيفاً مزعجاً على أبناء منطقتي بنت جبيل ومرجعيون، إذ يشهد رحيل المغتربين الذين يمثّلون العدد الأكبر من سكانهما إلى أماكن عملهم وإقامتهم في المهجر. يعلّق رحيل هؤلاء المصطافين الكثير من النشاطات التي كانت تحفل بها البلدتان، ولعلّ أهمها «الكزدورة». تتوقّف نهائياً، والصبايا اللاّتي انتظرن نصيبهنّ بالزواج فقدن الأمل بانتظار صيف آخر يحمل لهن فوجاً جديداً من المغتربين. لم تُوفّق مريم دقيق من بلدة حاريص بـ«العريس» هذا الصيف، لذلك سترجئ صيدها إلى العام المقبل. والسبب؟ «أنّ معظم الشباب القادرين على الزواج هم من أبناء البلدة المهاجرين، ونحن هنا ننتظر الصيف لاصطياد العرسان الذين يأتون بسياراتهم الفخمة، نقضيها كزدرة في الساحة العامة في الضيعة كل الصيف». تأسف مريم «للوضع الاقتصادي الخانق الذي يحرم المنطقة من شبابها ويجعل من فصل الخريف فصلاً تذبل فيه النفوس والحياة كما أوراق الأشجار».

المطاعم والطرق العامة هي أماكن الترفيه شبه الوحيدة
أما بالنسبة لشباب المنطقة، فغياب المغتربين يؤثر على الاقتصاد. في بنت جبيل، يشير علي هاشم «إلى أن رحيل المصطافين والمغتربين يشل حركة الحياة والتجارة أيضاً التي تعتبر مصدر الرزق الأساسي لبنت جبيل، فمن بقي من المقيمين هنا إما هم أصحاب محال تجارية صغيرة أو هم من الموظّفين». ويصف هاشم حركة السوق، فيقول «سكون غريب يخيم على المنطقة مع غروب الشمس، إذ تقفل المحال باكراً، ولا نعود نجد مكاناً نذهب إليه غير المنزل». يسود السكون هنا مع حلول فصل الخريف، وتنعدم أماكن الترفيه العامة، وزد على ذلك أن المنطقة تخلو أساساً من أماكن اللهو والحدائق العامة. ولذلك تبقى بعض المطاعم القليلة أصلاً والطرق العامة، هي أماكن الترفيه شبه الوحيدة للأهالي، التي تعجّ بالمتنزهين عصراً. كل هذا في الصيف، أما باقي أيام السنة، فلا يعود هناك أثر للحياة. لن يكون هذا السكون حكراً على بنت جبيل ومرجعيون، إذ ينسحب أيضاً على معظم مناطق الجنوب التي غادرها أبناؤها بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة والاحتلال الذي كان هناك. ففي يارون مثلاً، تُقفل القصور الكثيرة أبوابها مع انتهاء الصيف، ويعود قاطنوها إلى مهجرهم، فلا يبقى إلا كبار السن الذين يجتمعون قرب محطة الوقود الوحيدة في البلدة لتمضية الوقت. ويقول أبو محمد شاهين «نجتمع هنا طيلة النهار ونلعب الورق، فالبلدة في مثل هذا الوقت لا يبقى فيها إلا العجزة والمتقاعدون من أعمالهم». ويضيف «أما الشباب فتكاد تخلو القرية من وجودهم، والجميع هنا ينتظر الصيف للقاء الأحبّة. باختصار، الخريف شهر حزين علينا، نشعر فيه بالوحدة والملل، في ظلّ عدم وجود أماكن للمرح والعمل وغياب الأبناء».