القاهرة ــ أمينة زكييأتيني الشتاء كلّ عام ببرد، يثلج أطرافي ويوقد في قلبي جذوة قد أوشكت على الذبول. في كلّ شتاء أغزل من دفء قلبي صوفاً أجدل منه كوفيات لي وحدي، وهذا الشتاء قررت أن أغزل من همّ سنيني كوفيات للعابرين. في الشتاء يختفي الجبناء من البرد، تحت أغطية ثقيلة خلف جدران البيوت. حينها، أستمتع بالعالم الخالي منهم بوجه مكشوف وكفين مضمومين. يلسعني البرد فأستفيق وأزداد همّة في المشي كفرس يسرع في عدوه كلما لسعته السياط. أعدو فتتساقط الهموم عن كتفي. لا أعلم إذا كانت تهرب من فورة قلبي أم أنّها تسبقني الخطى لتستقبل البرد بحضن مفتوح.
في قلب الشتاء ولدتني أمي، وفي كلّ شتاء، في ذكرى مولدي، أنتظر المطر، أشتاق إليه كأرض أضناها جفافها فتشققت أحضاناً مفتوحة لاستقباله. لا شيء سوى المطر يحتويني كرحم أمي، يغسل عنّي ما بقي من هموم ويعلنني ابنة للسحاب والريح.
يرتق الشتاء شقوق تبادل الفصول الثلاثة التي حفرها على وجه قلبي، وفيه أفرك عن جسدي في كلّ ليلة خلايا ضعيفة أرهقتها الفصول الأخرى فلم تحتمل برد الشتاء. أفرك معها حزني وخمولي وعجزي فأتجدد كشجرة تضرب جذورها في الأرض وتشدّ عودها لتزرع وجهها في قلب سحابة عابرة.
في ليالي الشتاء الطويلة أستمتع بالسكون، بالبرد وبأطباق حساء دافئ أصنعها بيدي لأرتب أفكاري وأتناولها وحدي في صمت الكون الساكن. صمت لا يقطعه سوي دندناتي مع أغانٍ، أفرك على إيقاعاتها قدميّ تحت الأغطية. فقدماي هما الشيء الوحيد في جسدي الذي لا يحب الشتاء.