نكاد نعيش
تعليقاً على جريمة عين الرمّانة:
إنّها بعد منتصف الليل في حي الليلكي في الضاحية الجنوبية. أصوات وصراخ. بعد دقائق قليلة، تسمع رشقات رشاشة تليها رشقات رشاشة ثم رشقات رشاشة، وهكذا لأكثر من نصف ساعة. تتجمهر مجموعة من الشباب، أكثرهم من اليافعين. تتصل على 112، فيجيبك «نعلم... نعلم». ينفضّ التجمهر، وكذلك الإشكال المحلي الصنع والتنفيذ والإخراج. يأخذ أصحاب الرشاشات نراجيلهم، ويتّخذون من شرفة أحد المنازل القريبة من بيتنا مكاناً لسهرتهم التي بدأت للتوّ. وطبعاً (نام إذا فيك تنام). من اشتبك مع من، ولماذا، وما هي النتيجة، وكيف انتهى الإشكال؟ هذا من علم الغيب.
لم تعد معظم أحياء الضاحية الجنوبية لبيروت مكاناً صالحاً للعيش، ولا أقول للسكن فقط. فالعيش في بعض أحيائها يتطلّب مواصفات لا يمكنك أن تعيش من دونها. فإما أن تكون من سائقي الدراجات والميني باص، ومن يعرفهم يعرف ماذا أعني، وإما أن تكون ممن يركبون الميني باص ويا ربّ الستر. إما أن تكون من ساهري الشوارع والشرفات القريبة من غرف نوم الناس، وإما أن تترك المكان وتغادر، فلا مكان هنا للضعفاء وقليلي الحيلة ورافضي سلاح الزعرنة. وإما أن تكون، وبكل جرأة، من المنتمين إلى حزب هو غير الحزب الذي تُحسَب عليه الضاحية، وإما «رح تاكل قتل تا تفرّق شتل». فإلى متى هذا الوضع؟
إن ما جرى في عين الرمانة لا يعدو كونه جزءاً لا يتجزّأ من هذه اليوميّات الضاحويّة، وكفاكم سياسةً واستغلالاً. هذه تسمّى بكل لغات الدنيا زعرنات وفلتاناً.
أمام هذا الواقع، يقول كثير من الناس من سكّان الضاحية إنّ حزب الله هو المسؤول في مكان ما، ويردّ الحزب بأنه ليس الدولة وأنّ على الدولة أن تأخذ دورها في الضاحية وغيرها من المناطق. نعرف معنى وحساسية أن يتدخل الحزب في هذه التفاصيل، وما يمكن لها أن تورّطه وتورّطنا معه. ولكن أن تقول «على الدولة» مسألة مختلفة عن أن تقول «للدولة» (الآن، حالاً فوراً). والدولة هنا تتمثّل بأجهزتها الأمنية كلها طبعاً، لا فقط أجهزتها الاستعلامية والاستخبارية.
نكاد نعيش في أحياء الضاحية، وفي كل ليلة، تحصل حادثة، ولا من يسأل ولا من مجيب.
بلال حسن