«ما أطيب زقاق البلاط». عبارة يمكن من شارك في فعاليات مشروع «من الأبجدية إلى النهضة، زقاق البلاط وجوه وشخصيات» أن يردّدها، وهو يقصد جمال البيوت التي يمرّ قربها يومياً من دون أن يلتفت إليها (راجع صفحة 15). فالطيبة، باللهجة اللبنانية لا تعبّر فقط عن التلذّذ بالطعام. لكن منظّمي المشروع أبوا إلا أن تكون خاتمة الأيام الثلاثة من مراحل اكتشاف زقاق البلاط، عشاءً بيروتياً تقليدياً يسمح بالقول «ما أطيب أكل بيروت وزقاق البلاط».
مغربية، فول بسلق، سلق محشي، مغمور، سلطة ملفوف مع شمندر، شيش برك، لحم بعجين، مجدرة صفراء، سلطة بطاطا... كلّ هذه الأطباق وغيرها زيّنت طاولة جمعية «أشغالنا» مساء الأحد الفائت، متوّجة بالمفتقة، الخبيصة وغيرها من الحلويات العربية.
عند مدخل الجمعية في زقاق البلاط، كانت عملية تحضير المفتقة تجري على قدم وساق. الطهاة كانوا يتناوبون على حرك محتويات وعاء يستغرق تحضيرها على النار نحو أربع ساعات. إلى جانبهم صُفَّت أطباق من المفتقة، مع لائحة بمحتوياتها: (كيلو أرز مصري، كيلو طحينة، 2 كيلو سكر، ملعقة كبيرة من العقدة الصفراء و12 كوباً من الماء).
يعدّ هذا الطبق أحد أشهر الحلويات البيروتية، التي لا تعرفها المدن اللبنانية الأخرى. «ولا حتى صيدا وطرابلس» تقول فدى عاليه رئيسة جمعية أشغالنا. هي علمت متأخرة بنشاطات زقاق البلاط، فكان العشاء البيروتي الفكرة البديهية الأولى التي خرجت بها مع زميلاتها المتطوعات في الجمعية.
«فكّرنا بشيء يعرّف ببيروت وطعامها التقليدي. كلّنا نعرف أن الأكل ثقافة، كما أن هناك عصبية بين المناطق لطبق دون آخر. حاولنا ألا نطبخ إلا الطعام السنّي البيروتي. وعندما أقول سنّي بيروتي، أقصد أنه غير موجود لا في طرابلس (حيث حلاوة الرز) ولا حتى في صيدا». بعض الأطباق التي ورد اسمها أعلاه، نجده في مختلف المناطق اللبنانية، لذلك تحرص عاليه على التوضيح أن اللحم بعجين نُفّذ على الطريقة البيروتية «ويختلف كثيراً عن ذلك الطرابلسي أو البعلبكي (السفيحة)». وكذلك المجدرة الصفراء «كثيرون لا يعرفون أنها بيروتية».
الحديث مع عاليه سبق رنين جرس افتتاح البوفيه. تحلّق الراغبون بتذوق المطبخ البيروتي حول الطاولة وراحوا يتساءلون عن اسم كل طبق وكيفية طهوه. الملوخية بدت خارج السياق العام، فهي طبق غير لبناني حتى. لذلك بقيت، رغم لذتها، وحيدة على الطاولة، لم يقترب منها إلا قلة.
يذكر أن جمعية «أشغالنا» تأسّست عام 1986 على يد متطوعات لمساندة دار الأيتام الإسلامية، وهي توفر عملاً للأرامل اللواتي يقمن بأشغال حرفية معروضة للبيع، كما تنظّم غداءً أسبوعياً كل يوم جمعة.
(الأخبار)