من يستطيع حل مشاكل الوضع الصحي، في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان؟ سؤال لا بد من أن يطرحه أي مطّلعٍ على الدراسات الميدانية، التي تشير في أحسن الأحوال إلى وضعٍ صحيٍّ بالغ السوء. آخر هذه التقارير، كان ما عرضته أمس، مؤسسة “شاهد” لحقوق الإنسان، إذ نشرت دراسة استغرق إعدادها عاماً، تناولت صحة المخيمات الفلسطينية، واعدةً بعرض البطاقة الصحية لكلّ منها في وقتٍ لاحق
محمد محسن
دقيقتان، هي المدة المتاحة لأي مريضٍ فلسطيني في عيادات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا”. المدّة حتماً غير كافية لتشخيص المرض وإجراء الفحص الطبي اللازم، أو حتى لتحديد مكان الوجع. الأطبّاء ليسوا أفضل حالاً، فالأكيد أن ضيق الوقت، يمنعهم من معالجة كثيرٍ من المرضى بطريقةٍ تكفل مراعاة شروط الفحص الطبي السليم. هكذا، تناول بعض المرضى دواءً زاد من مضاعفات مرضهم بدلاً عن تخفيفها، لأنه ببساطة، وُصف على عجل. كذلك، يبدو أن من يجد دواءً ولو غير مناسبٍ لمرضه تماماً، أفضل حالاً ممّن يتكّبد نفقات أدويةٍ شافية، ولكن للأسف، غير موجودة في عيادات “الأونروا”! أمّا بالنسبة إلى الصور الشعاعية فالأمر ليس أقل سوءاً. في المختبرات المترامية في أزقّة المخيمات، لا أجهزة تصوّر أجسام المرضى، ولا من “يتصوّرون”. معلومات مقلقة، وردت في الدراسة التي أطلقتها مؤسسة “شاهد” لحقوق الإنسان، أمس، وتناولت الوضع الصحيّ في المخيمات والتجمّعات الفلسطينية في لبنان، في مؤتمرٍ عقدته في إحدى قاعات مركز توفيق طبّارة. لم تنطلق الدراسة من نقطة الوضع الصحي فقط، إذ كان واضحاً، أن الوضع الصحي كان واجهةً لعرض انتهاكات حقوق الإنسان داخل المخيمات الفلسطينية.
تعاني المؤسسات الصحية وقبلها الهيئات المسؤولة عن تشغيلها، في مخيّمات اللجوء الفلسطيني عللاً كثيرة، تجعلها مشلولةً جزئياً. على الأقل، هذا ما يمكن استخلاصه من الأرقام الواردة في الدراسة، التي اشتملت على عيّنةٍ عشوائية قوامها 967 شخصاً، توزّعوا على 12 مخيماً وتجمّعاً فلسطينياً. يتردّد 60% من أفراد العيّنة على عيادات “الأونروا” دائماً، لكنهم غير راضين عن مستوى الخدمات التي تقدّمها، إذ رأى 38.5% منهم أن الخدمات “وسط”، فيما رأى 18% فقط أنّها جيّدة. وفي حالاتٍ أخرى، أدّى الإهمال في معالجة المرض منذ اكتشافه بـ43% من المستطلَعين إلى إجراء عملياتٍ جراحية.
على مستوى الدواء، من المعروف أن “الأونروا” تقدّم الأدوية مجّاناً إلى مرضاها، لكن المشكلة تقع عند غياب كثيرٍ من الأدوية المطلوبة، وهذا ما تؤكده الأرقام، إذ إن 59% من المرضى يشترون الأدوية على نفقتهم الخاصة، فيما ينال 41% حصتهم الدوائية دائماً من “الأونروا”. إلى ذلك، تقتصر اختصاصات الأطباء في عيادات “الأونروا” على التوليد والعيون والشرايين، وبحسب التقرير “هم لا يحضرون إلّا مرة واحدة في الأسبوع”، فماذا لو أصيب المريض بكبده مثلاً؟ وبحسب الدراسة أيضاً، فإن الليالي السريرية التي تحجزها المنظمة داخل المستشفيات تنتهي قبل منتصف الشهر، عاكسةً بذلك ضعف التحويلات المالية التي ينالها المرضى ممن يستلزم علاجهم مكوثاً في المستشفى. وعلى الرغم من هذا الهجوم المركّز على عمل الوكالة، فقد كان لافتاً غياب أي ممثلٍ لـ“الأونروا” عن المؤتمر، على الرغم من توجيه الدعوة، كما أكّد رئيس جمعية “شاهد” محمود حنفي في بداية عرضه للدراسة. كذلك، فيما غاب ممثلو وزارة الصحة اللبنانية و“الهلال الأحمر الفلسطيني”، حضر ممثّلون عن “هيومن رايتس ووتش” ومنظمة العفو الدولية.
بعد “الأونروا” جاء دور مؤسسة الهلال الأحمر الفلسطيني، التي بحسب الدراسة “تقلّص دورها تقلّصاً دراماتيكيّاً عمّا كان في السابق”. ومن خلال الأرقام المعروضة وجد معدّو الدراسة “فقدان ثقةٍ تجاه مؤسسات الهلال، إذ يتردّد إليها 36% من المستطلَعين فقط”.
أمّا الصيدليات، فتؤكد الدراسة خلوّ رفوفها من بعض الأدوية. كما تشير إلى أمرٍ أكثر خطورةً، وهو عدم خضوعها للمراقبة، إضافةً إلى خلوّ جزءٍ كبير منها من الكوادر المتخصّصة، واقتصار العاملين فيها على الممرضين أو متخرّجي المعاهد. ويعينهم في هذه المخالفة أصحاب ثقافة “العلاج الفوري”، ممن يلجأون إلى الصيدلية مباشرةً، من دون استشارة الطبيب.

59% من المرضى يشترون الأدوية على نفقتهم الخاصة
بيئياً، يشرب 58 % من أفراد العيّنة التي أجريت معهم الدراسة المياه من خزّانات “الأونروا”، التي أكّدت الدراسة قيام المنظمة بتعقيمها والإشراف عليها، من دون أن يجعلها ذلك صالحةً للشرب دائماً، والسبب؟ “قد يكون قِدَم التمديدات، أو تداخل شبكات الصرف الصحي معها، أو انسداد التمديدات الجديدة في معظم المخيمات بالنفايات الصلبة”.
ركزّت التوصيات على زيادة عدد الأطباء العاملين في عيادات “الأونروا”، وتطوير مختبراتها وتأمين أصناف الأدوية كلها بشكلٍ كافٍ. كذلك، طالبت التوصيات بمعالجة مشكلة اختلاط مياه الشفة بمياه الصرف الصحي، وتكريرها دائماً لتصبح صالحةً للشرب. أما بالنسبة إلى الهلال الأحمر، فقد بدت التوصيات سياسية أكثر ممّا هي صحية، إذ تلفت المطالبة إلى زيادة رواتب موظفي الهلال أسوةً بزملائهم في مناطق السلطة الفلسطينية، والمساواة بين جميع اللاجئين دون “تمييز فصائلي”. لبنانياً، بعد تحميل الحكومات اللبنانية المتعاقبة جزءاً من مسؤولية الوضع السيّئ في المخيمات، على ألسنة المتحدثين، طالبت التوصيات بالسماح للطبيب والصيدلي الفلسطينيَّين بمزاولة مهنتَيهما قانونياً. وفي ختام الدراسة، طالب معدّوها بإيجاد “مرجعيةٍ فلسطينية موحّدة في لبنان” تضغط على “الأونروا” والدولة اللبنانية لتحسين خدماتهما الصحية ضمن عملٍ نقابي منظّم. وفي حديثٍ لـ“الأخبار” قال رئيس جمعية “شاهد” محمود حنفي ممازحاً “إن الفلسطينين أصبحوا ينتظرون بشغف تأليف الحكومة أكثر من اللبنانيين”، مُعيداً ذلك إلى الوعود التي سمعها من النواب، بتحسين الأوضاع الصحية في المخيمات، ولكن كل شيءٍ مربوط بالحكومة العتيدة.