جريحان في بخعون، معلمة وتلميذ أصابته رصاصة أطلقها مجند، هذا ما آلت إليه أمس أزمة المدرسة الفنية في البلدة، فقد عُيّن مدير جديد لها رفضه المقرّبون من النائب السابق جهاد الصمد. تربويون يقلقون من «عسكرة» محيط بعض المدارس
الضنية ــ عبد الكافي الصمد
القضية التي عُرفت بـ«أزمة مدرسة بخعون» تطورت على نحو سلبي صباح أمس، وأدت إلى سقوط جريحين. بدأت القصة قبل أسابيع نتيجة نزاع القوى السياسية في الضنية على تعيين مدير جديد لـ«مدرسة بخعون الفنية الرسمية». أمس وقع إشكال بين عناصر من قوى الأمن الداخلي ومناصرين للنائب السابق جهاد الصمد، كانوا قد جددوا تحركاتهم الاحتجاجية اعتراضاً على تعيين محمد ديب مديراً جديداً للمدرسة، وقد اعتبره المعترضون موالياً لتيار المستقبل. وعُين ديب مكان المدير السابق ماهر جابر.
أنصار الصمد كانوا قد نفذوا يوم الخميس الماضي اعتصاماً أمام المدرسة، وقد ساعد عناصر من قوى الأمن الداخلي الجيش اللبناني على نزع الأقفال والسلاسل المعدنية التي وضعها محتجون على باب المدرسة مطلع الشهر الجاري.
رغم أن الأيام الأخيرة من الأسبوع الماضي شهدت مساعي «لإيجاد حل وفق الأصول ويرضي جميع الأطراف»، حسبما نقل وسطاء وشخصيات تربوية ورؤساء بلديات من الضنية «دخلوا على خط معالجة الأزمة»، إلا أن ما حصل أمس قد يؤدي إلى عرقلة المساعي وإعادة الأمور إلى نقطة الصفر، مع إبقاء المدرسة مقفلة إلى إشعار آخر، مع ما يعنيه ذلك من احتمال ضياع العام الدراسي برمته، وهو احتمال تواجهه أيضاً مدرسة زغرتا الفنية الرسمية التي تعاني مأزقاً مماثلاً، بعد تعيين وزيرة التربية بهية الحريري مديراً جديداً لها محسوباً على النائبة السابقة نائلة معوض، ما أدى إلى احتجاج أنصار النائب سليمان فرنجية على الأمر، وإغلاقهم المدرسة على نحو مشابه لما حصل في مدرسة بخعون.
وقد نقل شهود عيان لـ«الأخبار» أن الإشكال الذي وقع في بخعون قرابة الساعة التاسعة من صباح أمس، بدأ على مرحلتين متزامنتين: الأولى عندما حضر المدير ديب صباحاً إلى المدرسة وطلب من عناصر الدرك الذين كانوا موجودين في المكان إبعاد شبان تجمّعوا عند مدخلها؛ والثانية لدى وصول متعهد (مقرب من النائب أحمد فتفت) للإشراف على تعبيد طريق فرعية مؤدية إلى مدخل المدرسة، فأسمع الشبان كلاماً استفزازياً (بدنا نفتح المهنية ونكسر أكبر راس)، الأمر الذي دفع الشبان إلى التجمهر وطرد المتعهد مع آلياته.
عناصر قوى الأمن طلبوا من الشبان المحتجين الابتعاد فرفضوا، فحصل تلاسن تطور إلى إطلاق أحد العناصر الأمنية النار على الشاب عمر الصمد فأصابه في رجله اليمنى، فنقل سريعاً إلى مركز الشمال الاستشفائي في زغرتا للمعالجة، وتبين أنه يحتاج إلى إجراء عملية جراحية، ما أدى إلى ردة فعل من رفاقه الذين أقدموا على نزع البندقية من عنصر الأمن (المجند و. ش. من بلدة مجاورة لبخعون).
بعد إصابة عمر، طغت حالة من الهرج والمرج ترافقت مع حصول إطلاق نار، تضاربت الروايات حول الجهة التي صدر منها، ما أدى إلى إصابة معلمة في المدرسة هي هويدا الصمد، بطلق ناري جانبي في بطنها، نقلت على أثرها إلى المستشفى ذاته للمعالجة، وعلم لاحقاً أن إصابتها ليست خطرة.
ودفع تطور الأمور على هذا النحو غير المسبوق في المنطقة، وما رافقه من توتر خيّم على المدرسة ومحيطها وفي البلدة، إلى استقدام قوى الأمن الداخلي تعزيزات إضافية وإغلاقها أبواب المدرسة أمام الأساتذة والطلاب الذين كانوا قلة وعادوا أدراجهم من حيث أتوا، كما وصلت إلى المكان أيضاً تعزيزات أخرى من الجيش الذي عمل عناصره على سحب المدير الجديد ديب من المدرسة تحت حراستهم، ومرافقته حتى خروجه من البلدة، في موازاة إقامتهم حاجزاً ثابتاً عند مدخل أوتوستراد مراح السراج ـــــ بخعون ـــــ طاران، إضافة إلى إغلاقهم الطريق الفرعية المؤدية إلى المدرسة إغلاقاً تاماً أمام السيارات والمارة، وتسيير دوريات في شوارع البلدة تخوّفاً من أي ردّة فعل أخرى.
تأزمت الأمور، فأجرى المعنيّون بالأمر اتصالات سياسية وأمنية وتربوية مكثفة لاحتواء الإشكال، والحؤول دون اتساع رقعته، وخصوصاً أن الجهود التي يبذلها وسطاء كانت قد اقتربت من التوصل إلى إيجاد صيغة توافقية، تكتّموا على مضمونها بانتظار الانتهاء منها، لكن متابعين للقضية قالوا إن الصيغة تضمن مشاركة كل القوى السياسية فيه، وتنال موافقتهم.

أُجريت اتصالات سياسية وأمنية وتربوية مكثفة لاحتواء المشكل
تزامن انطلاق هذه الجهود مع زيارة قام بها وفد من فاعليات بلدة نمرين في الضنية، مسقط رأس المدير الجديد ديب، للنائب السابق الصمد في منزله ببلدة بخعون يوم الخميس الماضي، وأبدوا له «عدم رضاهم عن دخول المدير إلى المدرسة بهذه الطريقة، البعيدة عن الأصول والعادات والتقاليد في المنطقة»، حسبما أشار بعضهم لـ«الأخبار»، وهو ما دفع الصمد إلى التأكيد لهم أن «المشكلة تربوية بالدرجة الأولى، وليست شخصية مع المدير الحالي أو غيره، وليست كذلك مع قوى الأمن الداخلي والجيش اللبناني»، مشدداً على أنه «ليس ضد أي حل شرط أن يكون وفق الأصول، لأنه كما جرت مراعاة بلدية البداوي ورئيسها بنقل المدير السابق لمهنية بخعون إلى مهنية البداوي التي افتتحت هذا العام بناءً على طلبهم، لا نقبل أن يتم تجاوزنا ونريد المعاملة بالمثل، وكنا نفضل من الأساس عدم إقحام الحسابات السياسية في الشؤون التربوية، لكن المشكلة يتحمل مسؤوليتها الذين افتعلوها من الأساس».
في هذا الإطار، أوضح رئيس بلدية نمرين مصطفى عربس لـ«الأخبار»، أنه «جرت اتصالات مع المدير الجديد للمدرسة ديب، وطلب منه عدم الذهاب إلى المدرسة في الوقت الحالي بانتظار إنجاز تسوية كنا قد قطعنا أشواطاً بعيدة في إنجازها، لكنه لم يستجب لذلك لأسباب لا نعرفها»، وهو أمر أشار إليه مصدر تربوي معني فضّل عدم ذكر اسمه، عندما رأى أن «ذهاب ديب إلى المدرسة بهذه الطريقة يمثل تحدياً غير مقبول، وهو سيؤدي إلى تفاقم المشكلة لا إلى حلها كما كنا نأمل ونسعى».
تجدر الإشارة أخيراً إلى أن ديب تسلّم مهامه من جابر؛ بعدما كان محمود علي، الذي عيّن مديراً قبله قد رفض في وقت سابق من هذا الشهر أن يتسلم مهامه، لأنه فضّل أن يبقى بعيداً عن الخلاف الدائر بين القوى السياسية بشأن المنصب.


خوف من «عسكرة» محيط المدارس

علّق بعض مديري المدارس الرسمية في الضنية على مرافقة القوى الأمنية للمدير الجديد لمدرسة بخعون الفنية، وتأمين الحماية له ذهاباً وإياباً، بأنه عمل غير منطقي وغير مقبول في مجتمعنا، ولم يسبق أن شهدته أي مدرسة رسمية في لبنان. ورأوا أن «عسكرة» محيط المدارس ليس حلاً، وأن المطلوب الآن تسوية مقبولة من الجميع، فالكيدية السياسية لا تنتج حلاً يفرض بالقوة، لأنه إذا تألفت حكومة جديدة وذهبت وزارة التربية مثلاً إلى قوى المعارضة، فإن أي مدير يُفرض بهذه الطريقة لن يبقى في منصبه يوماً واحداً، وهذا تصرف يضرّ بالمؤسسات التربوية أكثر مما يفيدها.
من جهة ثانية، تجدر الإشارة إلى أن بعض وكالات الأنباء، ومنها الوكالة الوطنية للإعلام، نقلت خطأً أن مجهولين هم من أطلقوا النار، فيما كانت القوى الأمنية تعمل على فتح الطريق إلى المدرسة، فأصيب أحد التلامذة ومن ثم أُصيبت معلمته، وقد أدت إصابة التلميذ إلى إثارة المحتجين، فقاموا بردة فعل وأرادوا أن ينتزعوا بندقية أحد رجال الأمن.