يدخل ضمن نطاق عمل بلدية شمسطار 14 قرية يسعى بعض أهاليها إلى الانفصال. وقد جرت محاولة جدية لذلك قبل نحو ثلاثة أشهر، لكنها خمدت من دون معرفة الأسباب، في ظلّ إشارات إلى تدخّلات حزبية أوقفت التحرّك. القرى المطالبة بالانفصال تبحث إمّا عن إنشاء بلديات جديدة، أو ضمّها، ضمن تقسيمات مختلفة، إلى بلديات أخرى
البقاع ـــ رامح حمية
انتُخب أول مجلس بلدي في شمسطار عام 1922. منذ ذلك التاريخ تواجه البلدية، التي تبلغ موازنتها مليارين ومئة وثمانين مليون ليرة لبنانية، تحدّي إرضاء القرى التابعة لها، التي كانت تشمل جميع بلدات غرب بعلبك لتقتصر اليوم على 14. فقد نجحت بعض القرى في تحقيق مطلبها بالانفصال، وتطالب أُخرى اليوم بالأمر نفسه، بسبب ما يصفه الأهالي بـ“غياب المساواة، وعدم الإنصاف في توزيع الخدمات وتأمين المشاريع الإنمائية أسوةً ببلدة شمسطار”.
مسلسل الانفصال بدأ عام 1962 مع بلدتَي طاريّا وحدث بعلبك، تلتهما في وقت لاحق جبعا، رماسا وقلد السبع وكلّها مزارع تابعة لما يسمّى قرى بيت مشيك. عمليات الانفصال هذه أبقت 14 قرية في رعاية بلدية شمسطار، التي أُضيفت إلى مشاكلها السابقة، مشكلة التباعد العقاري واختلاط شؤونها مع بلديات أخرى. بلدة النبي رشادة مثلاً تتبع إدارياً لبلدية شمسطار، لكن 90% من عقاراتها تعود إلى بلدية حدث بعلبك. فيما يتداخل النطاق الجغرافي لبعض مزارع بيت مشيك مع بلدية حدث بعلبك، وبعضها الآخر، كمزرعة وادي أم علي، مع بلدية بوداي التي تبعد نحو 15 كلم عن شمسطار... وهذه مشكلة تعرقل غالباً دراسة أيّ مشروع يتعلق بالبلدة وتنفيذه، ما يفرض إجراء سلسلة مباحثات ومفاوضات بين البلديات المعنية للخروج بحل.
أبرز المشاكل التباعد العقاري واختلاط شؤون شمسطار ببلديات أخرى
ازدادت إذاً الأسباب التي تدفع إلى المطالبة بالانفصال. ويبرّر العضو في بلدية شمسطار عن بلدة النبي رشادة رفيق زين الدين، موقف أبناء بلدته الذين يشكون من عدم إنصافهم، عندما يؤكد أن البلدة “لم يُصرَف عليها قرش واحد من موازنة البلدية الحالية”. زين الدين طرح هذه المشكلة في المجلس البلدي “وكان الردّ أن العمل يجري في القرى وفق الأولويات، ونسب عدد الناخبين في كلّ منها”.
لكن على الرغم من اعترافه بالمشكلة، لا يبدو زين الدين واثقاً كثيراً بإمكان المطالبة بالفصل “قبل اتخاذ سلسلة خطوات، أبرزها تحديد نطاق جغرافي عادل لكل بلدة يحفظ حقوقها (علماً بأن بلدية حدث بعلبك تدّعي أن 90% من أراضي النبي رشادة تابعة لها)، إضافةً إلى الحصول على مستحقات بلدة النبي رشادة من موازنة بلدية شمسطار، التي هي حق مكتسب”.
بدوره يرى محمد مشيك (52 عاماً) من قرية مصنع الزهرة أن “بلدية شمسطار لا تؤدّي واجبها الخدماتي والإنمائي بالنسبة إلى قرى مصنع الزهرة وصقر ونجم وسيرة، فيما تتوافر لشمسطار كلّ الخدمات والمشاريع. لم تقدّم إلينا البلدية الحاليّة شيئاً إلّا إذا رأوا أن كمية الزفت التي جرى تعبيد بعض الطرقات الخاصة فيها، والتي تخدم مصلحة العضو البلدي الممثل لقرانا، هي خدمة عامة فتلك مشكلة كبيرة، ولذلك نحن نسعى إلى الانفصال”.
مشيك تحدّث عن معاناة بلدته مع المياه “حلّت هذه المشكلة مؤقتاً بعدما قدّمت إلينا “اليونيسيف” بئراً. لكن المضخّة أصيبت بعطل كهربائي بسيط قبل خمس سنوات، ومنذ ذلك التاريخ تعجز البلدية عن تأمين مبلغ قيمته أقلّ من ألف دولار لإصلاحها”. يضيف: “الأنكى هو ما أقدمت عليه البلدية الحالية عندما تقدّمت بعريضة لمؤسسة مياه البقاع تشير فيها إلى أن البئر لا مياه فيها، وهذا غير صحيح، وباستطاعة وزير الطاقة والمدير العام لمؤسسة مياه البقاع أن يكشفا على البئر ليتأكدا من الأمر”.
بسبب هذا الواقع، لا ينفي أبناء البلدة امتناعهم عن دفع الرسوم البلدية المترتّبة عليهم. يقول مهدي مشيك، من مزرعة “وادي أم علي”، إن أبناء المزرعة لا يدفعون القيمة التأجيرية “عندما لا تقدّم البلدية أي خدمة إنمائية فلماذا يترتّب على المواطن دفع الضريبة؟”، ويشرح: “إذا صرف صحي ما في، وطريق ما زفّتولنا. ولولا أحد أقاربنا كنّا بعدنا عم نوقع بالحُفر، حتى حائط الدعم الذي توسّلنا لإنجازه لم يبنوه لنا ولم يُصغِ إلينا أحد، فلماذا ندفع؟”. وتساءل مشيك عن توفير بلدية شمسطار موازنة مالية “تحت عنوان مساعدة للمؤسسات التربوية في شمسطار، فلماذا لا يوفَّر ذلك لمدارسنا؟ لقد دفعوا راتب معلمة اللغة الإنكليزية لمدة عام كامل في ثانوية شمسطار، لو احتاجت قرى آل مشيك إلى معلّمة فهل ستوفّر البلدية المبلغ!؟”.
عدد الناخبين لا حاجاتهم هو ما يحدّد الحصة المالية لكلّ قرية
لا يوافق رئيس بلدية شمسطار فاضل الحاج حسن على الانتقادات الموجّهة إلى المجلس البلدي، مؤكّداً أن البلدية “تقدّم إلى البلدات التي تدخل ضمن نطاق صلاحياتها الخدمات على اختلافها من إنمائية واجتماعية، بالتساوي وضمن المستطاع”. كما ينفي وجود تمييز في توزيع الخدمات بين شمسطار وغيرها من القرى... “لكن يكمن الفرق في أن البلدية تعتمد في توزيع الخدمات على النسب المئوية لعدد الناخبين في كلّ قرية”.
يقدّم مثلاً عن مزرعة التوت (إحدى مزارع بيت مشيك) التي يبلغ عدد ناخبيها 322، أي ما نسبته 1,76% من عدد الناخبين إجمالاً “وهي النسبة عينها التي تُقتَطع من الموازنة المالية لتوفير حاجات المزرعة، لكننا على الرغم من ذلك قدّمنا زفتاً إلى المزرعة لتعبيد طرقاتها بقيمة 89 مليون ليرة”.
الحاج حسن الذي يؤكد أن البلدية تتعامل مع القرى التابعة لها انطلاقاً من “الواجب الوطني والأخلاقي، ونحن نقدّم خدمات مختلفة من جمع النفايات وجرف الثلوج”، يعترف بوجود مشاكل مثل عدم تمتع بعض القرى بنطاق جغرافي واضح “فتتداخل مع بلديات أخرى، الأمر الذي يمثّل إرباكاً وعبئاً على موازنة البلدية. يعني يكون مطلوباً تنفيذ الخدمات وتوفيرها من بلدية شمسطار، فيما أهالي القرى يدفعون الرسوم المطلوبة منهم كالقيمة التأجيرية، أو يستحصلون على رخص البناء من بلديات أخرى”.
وعن تقويمه لتجربة انفصال بعض القرى عن البلدية، يلفت الحاج حسن إلى أن “بعضها نجح كبلدية طاريا وحدث بعلبك، ومنها ما عاد إلى القائمقام كبلدة رماسا. بينما لم تتمكن قرى أخرى من تجاوز المشاكل بسبب افتقارها إلى المقوّمات الأساسية لنشوء بلدية وقيامها، إذ يُفترض أن تتوافر في أي بلدية مقوّمات الاكتفاء الذاتي المتمثّلة في الواردات والمؤسسات الموجودة فيها، فضلاً عن المعاملات القانونية والإدارية، لأنه لا يمكن الاعتماد دائماً على أموال الدولة على الرغم من وجوب ذلك”. لذلك فهو لا يوافق على المطالب الداعية إلى الانفصال، نظراً إلى افتقار هذه القرى إلى المقوّمات التي تسمح لها بالاستمرار.


حزب الله يدرس الموضوع

يخضع ملف بلدية شمسطار لدراسة جديّة من “حزب الله”. ويؤكد مصدر نيابي متابع أن الحزب لا يمانع من حيث المبدأ في تلبية مطالب الأهالي “ونحن سنلتزم في النهاية بما يقرّره أهالي المنطقة”.
المصدر الذي طلب التحفّظ عن ذكر اسمه، كي لا يعلن مواقف لم يتخذها الحزب بعد، أشار إلى إيجابيات وسلبيات في مطالب الانفصال. من جهة، يحقّق الانفصال تمثيلاً أوسع للأهالي واطّلاعاً على مشاكلهم، لكنه في المقابل قد لا يأتي بالنفع على البلديات الصغيرة التي ستنفصل بسبب شحّ مواردها المالية. كما أشار إلى المشاكل الميدانية التي قد تعوق أي عمليه انفصال، لذلك فإن “الموضوع دقيق وحساس، ومشاكله التقنية كثيرة، ونحن ندرس إمكان معالجتها قبل أن نتخذ القرار المناسب”.