في عام 2000، كان محمد نعمة قد أمضى فترةً طويلة في العمل «معلّم توريق إسمنت» في الجنوب اللبناني. سئم من مهنته المتعبة، فقرر تبديلها. من البديهي لأي جنوبي، أن يتوجه فوراً إلى زراعة التبغ، لكن محمد نعمة فكر بالخروج عن المألوف. عاد بالتاريخ وفكّر بجملة قالها أحد الإقطاعيين هاجياً إحدى القرى «جب الزعتر لا ينتج رسّيناً» في إشارة إلى أن أهل بلدته ممنوعون من التطور والتعلم، مثلما أن جب الزعتر القصير لن يمكنه بلوغ طول «الرسّين» الذي يطول أمتاراً. يومها، نظر إلى الزعتر «الذي كنا نقطفه من المشاعات ونبيعه في أوقات الفراغ». أراد أن يثبت للإقطاعي أن الزعتر ينجب رجالاً ومتعلّمين. هكذا، بدأ نعمة رحلته باتجاه إقناع أهل قريته بدعم فكرة زراعة الزعتر. حينها، لم يلق تجاوباً لا من البلدية ولا المحافظ ولا حتى من النادي الثقافي في القرية. لم ييأس، فتّش عن بذور الزعتر، ووجدها في الشتلة نفسها. هنا، بدأت رحلته مع الزعتر البري. زرع وعائلته أرضاً مساحتها 600 متر مربع بشتول الزعتر التي فرّخت ملايين الشتول في ما بعد. وبعد فترة، ذاع صيت زعتره في كثير من القرى المحيطة. بعد عامين، زرع 3 دونمات بالزعتر في بلدته زوطر الغربيّة، والآن، يزرع نعمة 14 ألف متر مربع بأنواع مختلفة من الزعتر، بينما يتوقع ازدياد المساحة إلى 20 ألفاً خلال العامين المقبل. مع تقادم الزمن، اتّسعت شبكة علاقات ابن الأعوام الستة والأربعين، فسافر إلى إيطاليا وألمانيا وعرض منتجات زعتره هناك، برفقة منظمة «سلو فود». لبنانياً، يشارك نعمة في معارض غذائية كثيرة، إضافةً إلى تأمينه طلبات لائحة طويلة من الزعتر لزبائن كثر. يقارن نعمة بين زراعة التبغ وزراعة الزعتر. «يطول موسم الأول 14 شهراً، بينما يمكن قطف الزعتر ثلاث مرات في السنة» كما يقول نعمة، مضيفاً «أن مردود دونم التبغ الصافي على المزارع يبلغ 700 ألف ليرة، فيما يعطي الزعتر مليوني ليرة عن كل دونم. كما أن الزعتر لا يحتاج إلى كثير عمل واهتمام يتطلبهما إنتاج التبغ وتصريفه». وعلى الرغم من هذه المعطيات، يؤكد نعمة أن شتلة الزعتر مهملة في لبنان، ولا تلقى العناية والحماية الكافيتين، في ظلّ المحاولات الإسرائيلية الدائمة للمضاربة على لبنان في هذا الصنف الغذائي. المزارع الأربعيني مقتنع تماماً بزراعته. فمن خلال مدخولها، بنى منزلين لأبنائه، كما استطاع أن يريح زوجته من أعباء العمل خارج المنزل. هكذا، يسعى نعمة إلى تطوير زراعته عبر تقطير زيت الزعتر، الذي يباع «الغرام» منه بأربعة دولارات في الأسواق الفرنسية، ويشير إلى أن كيلو الزعتر ينتج ما بين 8 و13 ميلليتراً من الزيت.م.م