السجال بشأن المسجد الأقصى وتشييده فوق هيكل سليمان في تصاعد دائم منذ سنة 1967، وقبل ذلك. لكن، فيما العالم العربي والإسلامي «يتذمر» ويحتج على الحفريات الإسرائيلية، وفيما الدماء تُهدر في القدس، بدأت اليوم عملية تأهيل منطقة الحائط وتحويلها إلى «حديقة أثرية»
القدس ــ أسامة العيسة
كشفت مصادر إسرائيلية عن مخطط تهويدي جديد يستهدف ساحة حائط البراق، أي الحائط الغربي للمسجد الأقصى، الذي يطلق عليه الإسرائيليون اسم «حائط المبكى»، والذي يعتبرونه الجزء المرئي من هيكل سليمان. وفقاً لهذه المصادر، فإن الخطة الجديدة تقضي ببناء «حديقة أثرية» أسفل الساحة التي تحيط بالحائط، والتي استحدثت بعد أيام من الاحتلال عام 1967. فلفهم حقيقة «اكتشاف» حائط المبكى، يجب العودة بالزمن إلى ذاك العام، بعد سقوط القدس في يد الإسرائيليين. حينها، اصطحب الجنرالات المدغدغين بنشوة النصر السهل، مرشدهم الأيديولوجي دافيد بن غوريون من خلوته في صحراء النقب ودخلوا إلى البلدة القديمة في القدس.
توجهوا إلى حارة المغاربة حيث الحائط الغربي للمسجد الأقصى، الذي يسميه العرب حائط البراق. وكانت اللحظة المؤثرة للجنود الذين «اكتشفوا» حائطهم، ولم يتمكن بن غوريون من ضبط أعصابه فعمد إلى نقش عربي وأزاله عن الحائط. وبدأت من تلك اللحظة عملية تهويد حارة المغاربة وابتداع مبدأ حائط المبكى. ففي اليوم التالي، أي في العاشر من حزيران 1967، هدمت الجرافات الإسرائيلية حارة المغاربة على رؤوس سكانها، بعد إمهالهم ربع ساعة فقط لإخلاء بيوتهم. ووفقاً لاعتراف المشرف على الهدم حينها، فقد رُميت الجثث مع الأنقاض. بالإضافة إلى الضحايا تبدد في تلك اللحظات تراث عمره ألف عام.
الأعمال الجارية كانت تحضيراً لعيد نزول التوراة في 13 حزيران، ولتوسعة الساحة حول حائط البراق الذي أطلق عليه حينها تسمية حائط المبكى، وبدأ التحضير لاستقبال آلاف اليهود المنتصرين في حرب لم يدافع العرب فيها عن القدس سوى بضع ساعات.
ومذاك، يعمد الإسرائيليون إلى «إبراز» تاريخهم التوراتي في حائط البراق الذي بدأ يعرف عالمياً بحائط المبكى، وأصبح منطقة الزيارة الضرورية والرسمية لكل وفد رسمي أو شعبي تطأ رجله القدس.
الخطة الجديدة تقضي ببناء «حديقة أثرية» أسفل الساحة التي تحيط بحائط البراق
وبدأت الجمعيات، مثل «مركز تراث حائط المبكى» وبلدية القدس، ووزارة السياحة والآثار الإسرائيلية وسلطة الآثار الإسرائيلية، وجمعية العاد الاستيطانية، والجامعة العبرية تتنافس في جهودها للترويج للحائط مع جمعيات أجنبية عديدة وشخصيات مشهورة. فنيل آرمسترونغ وصف سيره في هذه المنطقة بأنه «لا يقل إثارة ولكن أكثر قدسية من سيره على القمر». أما نجوم هوليوود، مثل شارون ستون وويل سميث، فلا يكتفون بالوقوف على الحائط وضرب رؤوسهم وإيداع ورقات مكتوبة لتصل إلى الله في شقوقه، بل يتبرعون لبناء منشآت في المكان.
هذا ما فعله المخرج ستيفن سبيلبرغ والممثل مايكل دوغلاس ووالده كيرك، الذين أعلنوا عن تبرعهم لإنشاء متحف على شكل الهيكل اليهودي المفترض في بناء عربية لم يُهدم في حارة المغاربة. والبناء تحول إلى مركز «ايشا هتواره» (النار من التوراة)، وهو مركز يهودي عالمي، أُسس عام 1974 على يد الحاخام نوح واينبرغ والهدف منه إحياء التراث اليهودي. وسيتكون المتحف الذي تبلغ كلفة إنشائه 20 مليون دولار، من ثلاث طبقات، يبرز رحلة الشعب اليهودي في التاريخ من أيام النبي إبراهيم حتى يومنا هذا، «مع التشديد على أهمية وجود الشعب اليهودي في أرض إسرائيل ودور إسرائيل في تحسين العالم وتقدمه».
وفي إطار إبراز حضارة الشعب اليهودي في أرض فلسطين، وخاصة في مدينة القدس، بدأ العمل اليوم لإنشاء «الحديقة الأثرية»، التي ستمتد في أسفل الحائط على غرار تلك المنشأة جنوب سور القدس. فإسرائيل ستباشر الحفر تحت الساحة، للكشف عن الآثار الموجودة تحتها، وخلال أعمال الحفر، ستظل ساحة حائط البراق مفتوحة للمصلين اليهود والضيوف الأجانب. وتقول مصادر إسرائيلية إن ما تخشاه الدولة العبرية هو حدوث ردود فعل حادة من الزعماء المسلمين والعرب والسلطة الفلسطينية خلال هذه الأعمال، وخاصة أن كثيراً منهم يتهم إسرائيل بمحاولة الإضرار بالمسجد الأقصى. لذا، وفي خطوة استباقية، وضمن حملة دعاية مكثفة، نظم مكتب الصحافة الحكومي الإسرائيلي جولة للصحافيين الأجانب في المنطقة التي ستجري فيها الحفريات. الهدف كان التأكيد والشرح أن هذه الحفريات هي أثرية، علمية وتاريخية بحتة وليست سياسية على الإطلاق. والتقى الصحافيون المهندسين الذين سيشاركون في الحفريات، وأكد هؤلاء أن الحفريات لن تسبب أية أضرار للمسجد الأقصى، بل على العكس تماماً، فهي تؤدي إلى تعزيز الاستقرار الهيكلي للبنيان عبر عمليات الدعم التي تجري للمواقع المكتشفة في أسفله.
وخلال الجولة على الموقع والحفريات، التقى الصحافيون الحاخام شموئيل رابينوفيتش، الذي وجّه انتقادات حادة إلى الزعماء الدينيين الذين يستخدمون الحفريات لغايات سياسية. وعندما سئل من يقصد، قال إنه «الشيخ رائد صلاح، رئيس الحركة الإسلامية في إسرائيل، من ضمن زعماء دينيين آخرين، يقودون ما سماها «أعمال الشغب» التي تشهدها المدينة المقدسة».
وأكد رابينوفيتش في محاولة لتطمين الجانب الإسلامي والعربي أن «الشريعة اليهودية تحرّم الحفريات تحت المسجد الأقصى مباشرة، لذا فهي ستجري فقط في جميع أنحاء «جبل الهيكل». وللتذكير فقط، إن إسرائيل باتت من الجهات المختصة عالمياً في التنقيبات الأثرية في الأنفاق تحت الأبنية وتحويلها لاحقاً إلى متاحف، كما يجري في حي سلوان. فهل ستمتد هذه الطريقة المتبعة إلى القدس الآن؟