الحكم والإدارة في المخيمات الفلسطينية في المشرق العربي». عنوان شائك تصدّى معهد «عصام فارس للسياسة العامة والشؤون الدولية» لتحليل عناصره والخروج بتوصياتٍ لحل مشاكله في ورشة عمل تنتهي اليوم في الجامعة الأميركية في بيروت
محمد محسن ــ قاسم س قاسم
المخيّمات الفلسطينية في بلاد الشتات العربية مشكلة يتفاوت تعقيدها بتفاوت أسلوب الدول المضيفة بالتعامل معها. في هذه المخيمات، هيئات كثيرة تمسك بالإدارة والحكم. وربما كانت المشكلة تنبع من هنا تماماً. صحيّاً، تتربّع “الأونروا” على عرش الخدمات، أما مائياً وكهربائياً، فاللجان الشعبية في المخيمات هي حلقة التواصل. وبين هذه وتلك، ترخي أنواع السياسات بثقلها على العمل الإداري لهذه الجهات، لناحية تعيين أعضائها وتوزيع خدماتها.
في الندوة الأولى، من الورشة التي ينظّمها معهد “عصام فارس للسياسة العامة والشؤون الدولية”، وتنتهي اليوم في الجامعة الأميركية في بيروت، عرض مدير برنامج المخيمات في المعهد، الدكتور ساري حنفي، خلاصات بحث أوّلي أجراه المعهد تحت عنوان “آليات الحكم في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين”، في لبنان وسوريا والأردن وداخل الأراضي الفلسطينية. ولهذا الغرض، شارك 5 باحثين من هذه البلدان. بدأ د.حنفي حديثه، بالعلاقة بين القوة والسيادة في المخيمات، وسائلاً هل السيادة هي الجيش والقوى الأمنية، أم التشريعات القانونية؟ تبدو الإجابة عن هذه النقطة من الصعوبة بمكان. فالوضع الأمني للاجئين مرتبط بالوضع القانوني. هكذا، يظهر الاختلاف بين الدول التي تستضيف اللاجئين. ففيما وطّن الأردن فلسطينيّيه، وتبدو أحوالهم نسبةً إلى مساواتهم في سوريا مع المواطن السوري مريحة “لا يعرف مدخل مخيم اليرموك من مخرجه”، لا يزال لبنان يعزل فلسطينييه في غيتواتهم، مستنكفاً عن تحديد وضعهم القانوني مع ما يترتّب على هذا التحديد من حقوقٍ وواجبات، فهل هم لاجئون، مقيمون أجانب، إخوة عرب؟ أمّا من الناحية الأمنية، فتنتشر في مخيمات سوريا والأردن وقطاع غزة، نقاط أمنية للدولة، فيما تغيب في الضفة الغربية ولبنان، برغم ما أعلنه منذ أيام من تركيز نقطة للدرك اللبناني في مخيم نهر البارد.
ثم عرض حنفي توصيات البحث، وطالب بعقد بروتوكول أمنيّ بين القوى الأمنية اللبنانية والفلسطينية داخل المخيمات، على أن تنضوي القوى الفلسطينية تحت لواء القوى اللبنانية. وطالب بعض الأحزاب اللبنانية بالكفّ عن استعمال “فوبيا” التوطين، وحثّهم على استصدار تشريعات جديدة تلغي التشريعات القديمة الحافلة بالتمييز العنصري. أما في سوريا والأردن، فقد أوصى البحث بضرورة انتخاب اللجان الشعبية في المخيمات مباشرةً من اللاجئين، وليس تعيينهم من جانب القوى النافذة. وحثّت الهيئات المانحة و“الأونروا” والمنظّمات غير الحكومية، على تنفيذ مشاريع تفيد أهل المخيمات، والمناطق المحيطة بها. أما أهم ما أوصي به، فقد كان توحيد المرجعية السياسية الفلسطينية. وطالبت التوصيات سكان المخيمات، بالمشاركة الكاملة في عمليات الإدارة والحكم، ودفع الضرائب للبلديات، على أن تغطي “الأونروا” هذه التكاليف عن المدرجين ضمن برامج مساعداتها.
“تسيطر حركة فتح سيطرة شبه كاملة على اللجان الشعبية في المخيمات الأربعة والعشرين في الضفة”، هذا ما استهلّ به الباحث مصطفى هلال شتا عرضه لمخيمات الضفة. يعرّف شتا اللجان بأنّها مجالس حكمٍ مصغّرة، يترأسها أعضاء في حركة فتح، وهنا تقع المشكلة في أن “قرارات الحركة تسري عليهم، وتصبح صورة السيطرة بين فتح أو اللجان (لجهة المسؤولية) الشعبية ضبابية”. وبشأن تعيين اللجان تحدّث شتا عن ثلاثة آراء. يوجب الأول انتخاب اللجان، فيما يرى أصحاب الرأي الثاني أن الانتخابات في ظل التقاتل الداخلي تعزّز إضعاف النسيج الاجتماعي هناك، أما الرأي الثالث، فيرى أنه يجب مشاركة اللاجئين في الانتخابات البلدية أسوةً بمشاركتهم في انتخابات المجلس التشريعي.
أردنياً، مثّّل مخيم “جبل الحسين” نموذجاً للدراسة. يبدو وضع الفلسطينيّين هناك، أفضل من غيره. فبعدما عرضت د. نازك صالح إحصاءات عن عدد السكان والمساحة وفرص العمل، طالبت بحل مشكلة البطالة، وتفعيل خطة “السكن الكريم” لتوفير بيوت لائقة للاجئين.
لبنانياً، بسط مخيم نهر البارد سلطته على مطالعة الباحث إسماعيل الشيخ حسن. أقرّ حسن بأن المخيم يقع خارج التعريف التقليدي للمجتمع، مشيراً إلى أنه “لا يمكن طرح سيناريوهات لأنماط حكم جديدة”، وخصوصاً مع عجز الأطراف اللبنانيين والفلسطينيين عن تذليل معوقات “تقدّم المخيمات على مستوى التشريع والقرار السياسي”.
لم يقتصر تناول مخيمات لبنان، على الجلسة الأولى أمس، فقد مثّلت مخيماته في الجلسة الثانية، التي تناولت موضوع “إدارة الحكم ومنظور الدول المضيفة” نقطة جدل بين المشاركين، وبعد استعراض المشاركين لتجارب مخيمات البلدان، التي أتوا منها تبيّن أن أسوأ نموذج هو اللبناني. وتحدّث رئيس لجنة الحوار اللبناني ـــــ الفلسطيني، السفير خليل مكاوي، ليقول إن “إدارة المخيمات (لبنانياً) هي شأن فلسطيني بامتياز”. وطالب بـ“إعادة إنتاج كوادر شابة متخصّصة في الشأن الاجتماعي” داخل اللجان الشعبية،

لا يُعرف في سوريا مدخل مخيم اليرموك من مخرجه
معتبراً أن “مخيم نهر البارد قد يكون تحدّياً إيجابياً على صعيد تحديث اللجان الشعبية من حيث عمارتها ومهمّاتها”. إذ يعترف مكاوي بأن واقع مخيمات لبنان “مختلف عن سوريا والأردن”، فإنّه يرى أنّ نموذج نهر البارد أفضل تجسيد للتعاون بين الحكومة اللبنانية، الأونروا، واللجان الشعبية. ففي البارد “ستنفّذ قناعتان: احترام سيادة الدولة اللبنانية، مقابل احترام هؤلاء أسس النظام ومبادئ الاستقرار”. فـ“مفهوم السيادة يعني احتكار الدولة اللبنانية وحدها السلاح”، وإدارة المخيمات تعني “الانسجام مع القانون والابتعاد عن تسويق خصوصيات تتجاوز القانون بحجة الدفاع عن القضية”.
وبعد مكاوي تحدّث ممثل الهيئة العامة للاجئين في سوريا، رجا ديب، عن تنظيم الدولة السورية لوجود الفلسطينيين على أراضيها منذ مجيئهم. هكذا سنّت قوانين لتحسين ظروفهم من خلال القانون الرقم 260 الذي نصّ على أن يعامل الفلسطيني في سوريا كالمواطن السوري. وأنشئت الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل السورية، المسؤول الأول عن وضعهم في سوريا. ثم تحدث المدير العام لدائرة الشؤون الفلسطينية في الأردن وجيه عزايزة، الذي قال إن “أغلب الفلسطينيّين الذين هجّروا إلى الأردن مُنحوا الهوية الأردنية، وهم يشاركون في الحياة السياسية الأردنية”، من دون أن يتطرّق إلى التجاذب القومي القوي بين الأردنيّين والفلسطينيّين. ويشير عزايزة إلى أنه “حتى ابن المخيم يشارك في الانتخابات البلدية والتشريعية”.
ثم تحدث ممثل دائرة شؤون اللاجئين في المناطق الفلسطينية، محمد بو بكر، وقال إنه “قبل وجود السلطة كانت الأونروا المسؤول عن المخيمات، ثم صارت الأونروا والسلطة بعد اتفاق أوسلو”. أما المسؤول عن المخيمات أمنياً “فهو أجهزة السلطة”. يضيف بو بكر “في الضفة الغربية لم يعد هناك أيّ وجود للفصائل عدا اللجان الشعبية على عكس ما هو حاصل في قطاع غزة الآن”.


سلطة بديلة لمنظمة التحرير