محمد شعيرهو عاشق للحكاية، عندما تطرح على الشاعر عبد المنعم رمضان سؤالاً، يأخذك في حكايات من التاريخ والتراث. وعندما تسأله عن المعنى، يضحك: «علمني كافافيس أن الطريق هو الأهم وليس الوصول إلى إيثاكا». بالنسبة إليه، إيثاكا مثل أي مدينة، لذا هو معaجب بـ«كل ما تعدي بحر، تلاقي غيره اتحفر» كما يقول صلاح جاهين. وكلما ازددت معرفة، ازددت جهلاً. يندهش ممن يقرأون مقالاته ويقولون: «هات من الآخر» لأنّه يكره النصوص ذات الأسقف «القريبة». السقف القريب لا يسمح بالقفز وهو يريد لنصه ما هو أبعد من القفز.
ربما لهذا تأتي لغته بعيدة عن اليقين، لغة مراوغة، ترفض «هات من الآخر». وربما لهذا وجد نفسه متهماً، ومثيراً للجدل مرات عديدة. الأولى بسبب قصيدته «أنت الوشم الباقي». عندما نشرها في مجلة «إبداع» عام 1989، وشى به شاعر إلى رئيس اتحاد الكتّاب حينها ثروت أباظة الذي أصدر بياناً باسم كتّاب مصر داعياً إلى «الغيرة على الدين» ووصلت القضية إلى البرلمان.
المرة الثانية كانت بسبب قصيدة «التعويذة» التي ظلت قضيتها متداولة في المحاكم لعامين قبل أن تُحفظ بعد الحادث الإرهابي الذى تعرض له السائحون في الأقصر (1997). لم يكن السلفيون وحدهم مَن يسيئون فهم أشعار صاحب «الصعود إلى المنزل»، بل امتد الأمر إلى أصدقاء له، شعراء من جيله، أو من الأجيال السابقة، لكن هذه المرة بسبب نثره.
هو متهم دومــــــــــاً بأنّه يسير على خطى أدونيــــــــــس. يضحك. ثـــــــــم نذكّره بما ورد في مذكراته «متاهـــــــــة الإسكافي» عن أنّه وضع صوراً لخمس شخصيات في حجرته عندما كان صبياً: نجاة الصغيرة، وميرفت أمين، دريـــــة شرف الدين، دوستويفسكي وأدونيس. يضحك: «أحب أدونيس مثلما أحبّ ميرفت أمين». ويحكي قصة من التراث عن إبراهيم الموصلي وابنه وابن جامع. فقد اسمتع الابن إلى عزف ابن جامع، فتضاءل أبوه العازف الشهير في نظره. لكن عندما كبر الابن قال: لأبي ألف لحن، ثلثها لم يفعل مثله بشر قط، وثلثها متقدّم جداً في ميدانه، والثلث الأخير عادي. والأمر نفسه وصل إليه الآن رمضان في رؤيته لأشعار الكبار: صلاح عبد الصبور، وحجازي وأدونيس.
لكن لو أراد اليوم أن يعلق خمس صور أخرى في غرفته الخاصة «سيبقي على النساء» وستتسع ذائقته لتضم أحمد شوقي، ومحمد عبد الوهاب وأنسي الحاج وإبراهيم المازني. المازني هو قناعه الخاص، يستخدمه دائماً في الكتابة. يعود بالذاكرة إلى الوراء: «في الصف الأول الثانوي، دخلتُ مكتبة المدرسة واستعرت كتابين أولهما للمازني، والثاني لابن خفاجي». وعلى غرار ما قرأ في الكتابين، بدأ بكتابة الشعر بعدما كتب في عمر الرابعة عشرة روايةً عن قصة حبه لبنت الجيران. إذاً، المازني كان نافذته الأولى لعالم الشعر. يحكي عن اتهام المازني بالسرقات الأدبية، وقد كتب العقاد مدافعاً عن سرقات المازني، فأرجع ذلك إلى «عبقرية الطفولة»، فالطفل مولع دوماً بإخفاء الأشياء، ليترك الكبار في حيرة البحث عنها، كما أن الأطفال ليس لديهم جلد في قراءة الأعمال الكبيرة، مثل الفلسفة مثلاً.
كل ما قاله العقاد عن المازني كأنّه سلبيات هو «امتيازات» كما يرى عبد المنعم. امتيازات جعلته صديقه الحميم، الأقرب إلى قلبه. فالأدباء الذين يبحثون عن تأثير كبير، يركبون قطار السياسة، وهو ما فعله طه حسين والعقاد، وحده المازني لم يفعل ذلك. وهو الأمر عينه الذي فعله عبد المنعم رمضان. يضحك: «ربما هذا يفسّر موقفي من بعض أشعار أمل دنقل ومحمود درويش». يكره السياسة إذاً ولا يحب أن تلقي بظلالها على الفن. تربى عبد المنعم في مدرسة «ناصرية» كانت قريبة من قصر القبة. وعندما يمر موكب الرئيس عبد الناصر، كان التلاميذ يخرجون للترحيب به. أما أستاذ الموسيقى في المدرسة فكان الملحن الشهير عبد العظيم محمد الذي لحن العديد من الأغنيات ليؤديها التلاميذ. يتذكر منها «هيا أبو بكر لقد آن الآوان». وكان مدرس اللغة العربية شاعراً عمودياً يلقي أشعاره في المناسبات الوطنية في طابور الصباح. المدرسة الثانوية كانت قريبة من بيت عبد الناصر. «تربية كاملة لصورة البطل داخلي، حتى أنّني كنت أشعر بأنّ عبد الناصر يشاركني حياتي الخاصة». كانت صدمته أكبر بعد نكسة 67. مات في ذلك اليوم عبد الناصر بالنسبة إليه. مات البطل. في الجامعة أوائل السبعينيات، كانت التيارات اليسارية تتعامل معه باعتباره «بورجوازياً صغيراً شريفاً» يرفض أن ينضم إلى أي تيار. لكنّ بيته كان مأوى لليساريين المطاردين من الأمن. المرة الوحيدة التي اتخذ موقفاً سياسياً حاداً في الجامعة عندما ألقي القبض على صديقته ماجدة شعراوي، فحرر مجلة حائط بعنوان «شيوعيون ولكن» وكانت التيارات الدينية بدأت الظهور.
كان الشعر أو الكتابة وسيلة للمقاومة، فأسّس بعد التخرج مع مجموعة من شعراء السبعينيات جماعة «أصوات» التي لم يبق من أفكارها كما يقول سوى «الدعوة إلى لغة عربية مصرية خالصة، يمكن أن تختلف في نكهتها وبعض تفاصيلها عن لغات أخرى. وبالتالي يمكن أن يكون هناك شعر مصري ولبناني وتونسي». يتوقف «كنا نصرّ وقتها على تمزيق خيمة اسمها الشعر العربي. مع العلم أنّ هذا ليس شعوراً عنصرياً، فأنا تربيت على الشعر اللبناني». ألهذ السبب هو متهم بأنّه شامي الهوى؟ يضحك «بالعكس، أنا متهم بأنّني مصري الهوى كما يقول دائماً نزيه أبو عفش».
في مذكراته الصادرة أخيراً عن «دار الآداب»، يعود إلى فترة الصبا والطفولة، باعتبارها منجم السير الذاتية. يذهب إلى هناك كي يهتك الكثير من الأسرار ليس بغرض الفضيحة أو الإثارة بل بهدف «إقامة جسر بينه وبين القارئ ليصل إليه». وهو محمي في ذلك بشيئين: لغة ومعمار باعتبارهما الستارة التي تحجب، وعائلة غير مشغولة بقراءة الأدب: «لو أنّ عائلتي تراقب الأدب، ربما كنت تخوفت من كتابة سيرتي»!


5 تواريخ

1951
الولادة في القاهرة

1976
تخرج من كلية التجار، القاهرة

1979
شارك في تأسيس جماعة «أصوات» الأدبية وأصدرها بعد عام ديوانه الأول «في طبعة محدودة»

1994
صدر في بيروت ديوانه «قبل الماء قبل الحافة» الذى يعتبره رسميّاً أول دواوينه

2009
صدرت سيرته الذاتية «متاهة الإسكافي» عن «دار الآداب»