كارلوس غصن، رجل أعمال لبناني على رأس شركة كبرى لصناعة السيارات، هو نموذج للبنانيين المهاجرين الذين تأخذهم مشاغلهم بعيداً من «وطنهم»، ويعيشون ويديرون أعمالهم وفق قوانين البلاد التي يحملون جنسيّتها، لا قوانين لبنان. ينشط تجارياً مع إسرائيل ويكرّم في لبنان

محمد محسن
في عام 2008 زار كارلوس إسرائيل، عقد صفقة تجارية لحساب الشركة التي يعمل فيها. صفقة «تكلّلت» بلقاء رئيس الدولة العبريّة شمعون بيريز ورئيس حكومتها آنذاك إيهود أولمرت. بعد هذه الصفقة بشهرين، صودف أن عيّنت الجامعة الأميركية في بيروت كارلوس غصن عضواً في مجلس أمنائها. وبعد عام ونيّف من تعيينه في الجامعة الأميركية، حضر غصن إلى بلده الأول لبنان في 28 آب الماضي، ليُكرّم في النادي اللبناني للسيارات والسياحة في الكسليك، بحضور ممثلين عن أركان الدولة.
التكريم كان اعترافاً وتقديراً لنجاحات غصن في عالم «البزنس» والاقتصاد، ولكن هذا التكريم يُمكن أن يلفت إلى ضرورة قراءة القضية من زاوية قانونية، أي كيف نقرأ تكريم مواطنٍ لبناني زار إسرائيل؟
هل ما حصل في التكريم يعدّ تجاوزاً للقوانين اللبنانية لجهة أن المكرّم مواطن تواصل مع العدو؟ هل يُعفى غصن من المساءلة لأنه يحمل عدة جنسيات؟ أم أن القانون اللبناني يسري عليه حتى لو دخل حدود العدو بجنسية أخرى، لكونه مواطناً لبنانياً؟
«لا يمكن قانونياً التذرّع بالجنسية الأخرى وزيارة أرض العدو» هكذا يبدأ الخبير القانوني الدكتور حسن جوني شرح وجهة نظر القانون اللبناني في قضية غصن. يستند جوني إلى المبدأ القانوني القائل إن «عامل الجنسية لا يسقط». معادلة تحتاج إلى شرح، لا يوفّر جوني وقتاً حتى يبدأ به. بوضوح، فإن أي جرمٍ بحق لبنان يقدم عليه مواطن لبناني يحمل جنسية أخرى، لا يُسقط عنه المسؤولية الجرمية أمام القضاء اللبناني، بحجة أنّه قام بهذا العمل انطلاقاً من جنسيته الأخرى، وهذا ما ينطبق على قضية غصن. يستطرد جوني موضحاً «حتى لو امتلك غصن الجنسية الإسرائيلية واللبنانية معاً، فإنه قانونياً يجب أن يجري التحقيق معه في لبنان بجرم التواصل مع العدو الإسرائيلي»، يذكّر جوني بما جرى في فرنسا بعد دخول الديغوليين إلى باريس. حينها، جرت معاملة جميع أفراد القوات التابعة للجنرال بيتان، حتى ممّن كانوا يحملون الجنسيتين الألمانية والفرنسية، باعتبارهم عملاء لألمانيا التي كانت تحتل فرنسا. كذلك، وفي الحديث عن النوايا الحسنة أو السيئة، يرى جوني أن القضاء وحده هو الجهة المخوّلة تحديد نية غصن من الزيارة التي قام بها إلى إسرائيل، أكانت نية سيئة مضرّة بلبنان أم حسنة.
القضاء وحده هو الجهة المخوّلة تحديد نية غصن من الزيارة التي قام بها إلى إسرائيل
من زاوية قانونية لبنانية، لا اختلاف على اعتبار إسرائيل عدواً للبنان، يمنع الدستور والقوانين أيّ شكل من أشكال التواصل معه، أكان ذلك بصورة مباشرة أو غير مباشرة. لكن بعض الآراء القانونية، لا تضع تكريم غصن في إطار تشجيع التواصل مع إسرائيل، وتدعو إلى التمهّل قبل الحديث عن «عمالة أو دعم للعدو». إذ يُوجِد بعض القانونيين أعذاراً قانونية لغصن، أساسها حيازته جنسيات أخرى (السويسرية والبرازيلية)، إضافةً إلى كونه يدير شركة عالمية، عابرة للقارات، والتعامل التجاري مع إسرائيل لا يعد جرماً في قواعد هذه الشركة. هكذا، وبناءً على الاعتزاز بنجاحات غصن الذي «بيّض وجه لبنان»، يسأل رجل قانوني رفض الكشف عن اسمه وصفته «هل نمنع اللبنانيين من العمل في شركات عالمية أو اكتساب جنسيات أخرى؟»، ثم يشير إلى أن القانون اللبناني يحمل موادّ غير قابلة للتطبيق «إلّا في وجود النية لمساعدة العدو على إضعاف لبنان، وهذا «بالتأكيد» ما لا يتطابق مع نوايا غصن. فالقراءة القانونية بحسب هذا المصدر، تتعارض مع المنطق العملي، وخصوصاً أنّ «زيارته إلى إسرائيل قد تكون فُرضت عليه بحكم عمله التجاري».
يجرّم القانون اللبناني التواصل مع العدو، بغضّ النظر عن هوية الدولة المعادية. في قانون العقوبات الصادر بتاريخ 1/3/1943، تنص المادة 285 منه على « أنه يعاقب بالحبس سنة على الأقل وبغرامة لا تنقص عن 200 ألف ل.ل. (كان المعدل 100 ليرة قبل عام 1993، قبل أن يتدهور سعر صرف الليرة اللبنانية) كل لبناني وكل شخص ساكن لبنان أقدم أو حاول أن يقدم مباشرة أو بواسطة شخص مستعار على صفقة تجارية أو أي صفقة شراء أو بيع أو مقايضة مع أحد رعايا العدو أو مع شخص ساكن بلاد العدو، ويعاقب بالعقوبة ذاتها كل لبناني وكل شخص في لبنان من رعايا الدول العربية يدخل مباشرةً أو بصورة غير مباشرة من دون موافقة الحكومة اللبنانية المسبّقة بلاد العدو، وإن لم يكن المقصود من دخوله أحد الأعمال المنصوص عليها في الفقرة السابقة». وتابع القانون ملاحقته للمتعاملين مع العدو، فذكرت المادة التالية، 286، «على أنه يستحق العقاب الوارد في المادة السابقة من ذكر فيها من الأشخاص إذا أسهموا في قرض أو اكتتاب لمنفعة دولة معادية أو سهّلوا أعمالها المالية بوسيلة من الوسائل».


وقفة

شارك في حفل تكريم كارلوس غصن العديد من أركان الدولة اللبنانية، إما حضوراً أو عبر ممثّليهم. وقد أثارت هذه المشاركة موجة انتقاداتٍ تناولت تكريم المسؤولين لأحد المواطنين، برغم زيارته إلى إسرائيل. شارك وزير الداخلية والبلديات زياد بارود شخصياً في حفل التكريم، بعد وصوله متأخراً، لكنّه أكّد في حديثٍ إلى «الأخبار» أن مشاركته لا تعني تبنّي أيّ موقف سياسي مؤيّد لزيارة غصن إلى إسرائيل، وأنّ هذه المشاركة جاءت تلبيةً لدعوة جمعيةٍ لبنانية، أسوةً بمشاركاته في احتفالاتٍ مختلفة كالإفطارات واحتفالات التكريم الأخرى لمواطنين لبنانيين. وأشار بارود إلى أن الأمر مربوط بالقضاء اللبناني، معلناً أنّه ما كان ليشارك في حفل التكريم في حال وجود أي حكمٍ أو ملاحقةٍ قضائية بحق غصن.


على طرقات إسرائيل أولاً...

زار كارلوس غصن إسرائيل في كانون الثاني 2008 بدعوة من إسرائيليين، لبحث مسألة إنتاج سياراتٍ تعمل على الطاقة الكهربائية. وبعد المباحثات، تعهّد غصن الذي كان رئيساً تنفيذياً لمجموعة «نيسان رينولت»، ثالث أكبر تجمّعٍ لصناعة السيارات في العالم، بأن يجعل إسرائيل أول بلدٍ تسير سياراته على البطارية الكهربائية بعد ثلاث سنواتٍ، أي في عام 2011 المقبل. وقال غصن لدى زيارته إسرائيل، التي قابل خلالها الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز، «سيكون باستطاعة السيارات قطع مسافة 100 كيلومتر داخل المدينة، و160 كيلومتراً على الطرقات السريعة بشحنة واحدة للبطارية». وبموجب اتفاقه مع إسرائيل، يكون غصن قد أراحها من المدفوعات التي تتكبّدها لاستيراد النفط