مع أهمية المشاركة الوزارية الرفيعة المستوى في مؤتمر المناخ العالمي الذي عقد الأسبوع الماضي في جنيف، إلا أن لبنان لم يلتفت إلى الهدف الرئيسي للمؤتمر الذي وضع إطاراً عالمياً لتطوير عمل مؤسسات الأرصاد الجوية المحلية. وعلى قاعدة «لكل مقام مقال» يمكن الاستنتاج أن استفادة لبنان من هذا الحدث كانت صفراً
بسام القنطار
صادق المؤتمر العالمي الثالث للمناخ (دبليو سي سي 3)، الذي دعت إليه المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، على إنشاء إطار عالمي للخدمات المناخية يتصدى لاحتياجات صانعي القرار في جميع أنحاء العالم لتزويدهم بمعلومات وتنبؤات مناخية دقيقة وسريعة.
«على الوزير المقبل أن يضع آلية انخراط لبنان في الإطار العالمي الجديد للخدمات المناخية». الكلام لوزير البيئة في حكومة تصريف الأعمال طوني كرم في اتصال مع «الأخبار» أمس لدى سؤاله عن مشاركته في هذا المؤتمر، الذي عقد الأسبوع الماضي في جنيف.
كرم الذي تحدث في الجزء الرفيع المستوى من المؤتمر، رفض الإجابة عن أسئلة «الأخبار» بشأن آلية انخراط لبنان في هذا الإطار الجديد، علماً بأن إحالة الموضوع إلى وزير البيئة المقبل تبدو غير ذي فائدة، إذا قرر الوزير العتيد السير على خط سلفه في عدم إشراك ممثلين عن مصلحة الأرصاد الجوية ومصلحة الأبحاث العلمية الزراعية بنتائجه. ولقد كان لافتاً عدم حضور ممثلين عن هاتين الجهتين المعنيتين جلسات المؤتمر الخاصة بالخبراء، حيث وضعت الآليات العملية والجدية وطرحت سبل الدعم والاستثمار والتمويل.
ويتألف الإطار العالمي للخدمات المناخية من أربعة عناصر هي: تجديد الالتزام بعمليات رصد المناخ، وتوفير البيانات مجاناً وعلناً، ودعم التركيز على بحوث نمذجة المناخ والتنبؤ به، ووضع نظام معلومات جديد للخدمات المناخية، إضافة إلى وضع برنامج جديد للتطبيقات المناخية.
لم تشارك مصلحة الأرصاد الجوية في جلسات الخبراء حيث وضعت الآليات العملية
مشاركة الوزير كرم اقتصرت على إلقاء كلمة حدد فيها موقف لبنان من المفاوضات الدولية الجارية للتوقيع على اتفاقية جديدة للمناخ في القمة التي ستعقد في كوبنهاغن في كانون الأول المقبل. وقال كرم: «إن لبنان رغم ترحيبه بالمبادرات التي تدعو الدول النامية لخفض انبعاثاتها في سبيل تحقيق المزيد من الخفض على المستوى العالمي، إلا أنه يؤكد على أهمية احترام مبدأ المسؤولية المشتركة ولكن المتفاوتة»، وأعرب عن دعم لبنان تأسيس صندوق التكيف وضرورة وضع تصور واضح لاستدامة موارد هذا الصندوق المالية، مضيفا «إن المجتمع الدولي يجب أن يعي الصعوبات التي قد يواجهها لبنان في سبيل الإيفاء بالتزاماته حيال كارثة التغير المناخي». وسأل: «كيف يتوقع المجتمع الدولي من لبنان أن يستثمر في مشاريع التكيف وخفض الانبعاثات في ظل التعديات الإسرائيلية على البنى التحتية، وخصوصاً محطات التحويل الكهربائي ومحطات الإنتاج والهجمات المباشرة والمبرمجة على خزانات الوقود في معمل الجية».
وأعلن كرم أن لبنان يتطلع إلى المشاركة الفاعلة من جميع الأطراف في كوبنهاغن وبالأخص من الدول الأكثر نمواً في المفاوضات التي نأمل أن تتوج باتفاق شامل وعادل. وجدد التأكيد على «موقف مجموعة الدول السبع والسبعين والصين الذي يشير إلى «المسؤولية الخاصة» للدول المتقدمة في تحقيق خفض جدي لانبعاثات الغازات الدفيئة ضمن بروتوكول كيوتو». وأسف «بشدة لعدم ترجمة الالتزامات المحددة ضمنه فعلياً على أرض الواقع». إذاً، مشاركة لبنان في هذا المؤتمر اقتصرت على تحديد الموقف الرسمي من معاهدة تغير المناخ، ولم تشمل أي تصور أو طلب لاستفادة لبنان من الهدف الرئيسي، وخصوصاً الاستثمارات التي أقرها المؤتمر لعمليات الرصد المناخي والمراقبة المناخية والعلوم التطبيقية لتعزيز توافر المعلومات والخدمات المناخية.
ومن المعلوم أن مصلحة الأرصاد الجوية الموجودة في مطار بيروت الدولي تعمل ضمن إمكانيات متواضعة جداً وتعاني نقصاً إدارياً وتقنياً. كما أن مصلحة الإرشاد الزراعية في تل عمارة التي تقدم نشرة إرشادية جوية للمزارعين، لا يربطها أي صلة تنسيق مع المصلحة في بيروت، وكلتاهما يخضع لسلطة وصاية مختلفة. هذا عدا مراكز الرصد المناخي الخاصة التي تقدم بدروها نشرات جوية خاصة. وإزاء ذلك يمكن الاستنتاج أن التوقعات المناخية في لبنان تعيش حالة فوضة عارمة، وغالباً ما يعتمد المزارعون خصوصاً في القرى الجنوبية على النشرات الجوية الإسرائيلية التي تكتسب ثقة أعلى في التوقعات المناخية لدى الجمهور اللبناني.
وتجدر الإشارة إلى أن لبنان يفتقد إلى المعلومات المناخية المتعلقة بالإنذارات المبكرة بالظواهر الجوية المتطرفة، بما في ذلك الفيضانات وحرائق الغابات، مما يمكن من اتخاذ الإجراءات للحيلولة دون أن تتحول هذه المخاطر الطبيعية إلى كوراث. ولا يزال نظام الرصد المناخي للحرائق في طور التجريب بمبادرة غير حكومية من جمعية الثروة الحرجية والتنمية، عبر برنامج أكاديمي في الجامعة الأميركية في بيروت (راجع الأخبار العدد الرقم ٨٦٥، تاريخ 9 تموز 2009).
ويمكن الاستنتاج أن استفادة لبنان من هذا المؤتمر، كانت صفراً، وخصوصاً أن عرض موقف الرسمي من معاهدة المناخ كان يمكن أن يحصل في الاجتماعات الإطارية لهذا المعاهدة، التي ستعقد في بانكوك وبالي وبرشلونة، قبيل انعقاد القمة في كوبنهاغن.
وبالتزامن مع مؤتمر جنيف، عقد للمرة الأولى المنتدى العالمي للإذاعات المختصة بالمناخ بمبادرة من رابطة مذيعي نشرات الأحوال الجوية المهنيين.
ولقد جمع هذا المنتدى بغياب أي مشاركة لبنانية، مذيعي النشرات الجوية في عدد كبير من البلدان المتقدمة والنامية، وخرج بتوصيات بشأن السبل التي تكفل توفير توقعات مناخية للجمهور، الذي يحتاج إلى معلومات تتجاوز ما يرد في نشرات الأحوال الجوية القائمة على التخطيط الاستباقي واتخاذ القرارات على ضوء تغير المناخ.