حسان الزين


لإرسال رسالة الى المحرر، انقر هنا

منذ أسعد الله مساءكم وعادل مالك وكميل منسّى، والنشرات الإخبارية على الشاشات اللبنانية على حالها. نبتت محطات تلفزيونية، كثيرٌ منها توقف والقليلُ استمر، وبقيت النشرات الإخبارية تقليدية رتيبة تراهن على الأحداث والأنباء والشكل، وتحديداً الديكور. لم يتغيّر الكثير، في النشرات الإخبارية، بين الأمس واليوم. ما زال عنوانها «استقبل ودّع»، مهما جمّلت في نفسها. وإذا كان بعضها قد عدّل في مداخله وأخّر فقرة «استقبل ودّع» وما هو منسوج على منوالها، فإنه لم يفعل ذلك في سبيل التغيير والتطوير المهنيين، صحافياً وتلفزيونياً، بل لأسباب أخرى، سياسية، وفي أفضل الحالات تماشياً مع المزاج العام، التلفزيوني والسياسي. وثمة فارق بين هذا والتغيير. وفي كل حال، أُجَِّلت فقرة «استقبل ودّع» لتُوضع بدلاً منها «المقدمة» السياسية التي، يومياً، ترفع من تشاء وتنزل من تشاء، تماماً مثل فقرة «استقبل ودّع» التي يبدو أن أعمار آلهتها كانت أطول من أعمار قدّيسي وأبالسة المقدّمات الدارجة حالياً.
السبب الأول لتقليدية النشرات الإخبارية هو أن القنوات التلفزيونية مملوكة من القوى السياسية (المذهبية) التي تمسك بالبلاد عموماً. فالتقليدية تناسب الطاقم السياسي وتجعل النشرات تدور في حلقته. وهذا ما هو حاصل، مع استثناءات متفرّقة وعابرة.
كأنّ القنوات التلفزيونية اللبنانية، في ما يخص النشرات الإخبارية، تدير ظهرها لما يحصل في عالم البث التلفزيوني في الكوكب وما يرافقه على الشبكة العنكبوتية. بالرغم من أن مفهوم الأخبار قد تغيّر وتبدّل. ففيما باتت الأخبار تُبث على مدار الساعة، وفي غير طريقة وأسلوب، تواصل القنوات المحلية نهجها (نومها). بعضها يكثّف النشرات والمواجز؛ وهوية بعضها الآخر إخبارية (أخبار المستقبل، و«ان. بي. ان» في فترة ما)، لكنها كلها مازالت تنافس أبو الهول في جموده. وإذا كان تزاحُمها على الساعة الثامنة مساءً نزولاً عند تقليد تلفزيوني محلي وعالمي راسخ ومؤثر لجهة كون الثامنة ذروة تلفزيونية وإعلانية، اعتادها المواطن اللبناني، فإن ذلك لا يمنع التجديد في النشرات والاستجابة للمتغيّرات. بل إنه، ربما، فرصة يُستفاد منها لإحداث التغيير وكسر الحلقة التي أسرت النشرات نفسها فيها.
تتنافس النشرات على كل من «المنار» و «المؤسسة اللبنانية للإرسال» و«أن بي أن» على التقليديّة والرتابة، فيما تحاول نشرة «الجديد» كسر الروتين، لكن ذلك ما زال محدوداً ومتواضعاً ويتحكم به هاجس الاستعراض لا التأسيس... ولا يغيّر في الصورة الإجماليّة للنشرة. أما «أخبار المستقبل» فقد نقلت تقليديّة «المستقبل» المتمسّكة بالبعد اللغوي الأدائي الذي يمنحها بعض الجدية والرصانة اللتين تغلّفان الانحياز الذي تحرص مدرسة «المستقبل» على إلباسه الموضوعيّة. وبالرغم من أن الفضاء مفتوح أمام «أخبار المستقبل» على مدار الساعة، إلا أنها لم تقدم على تغيير أولوياتها التقليديّة. ولعل السبب الأوّل هو الظروف السياسية القائمة، إضافة إلى كونها مملوكة من فريق سياسي لديه حاجاته السياسية، وعلى رأسها بثّ خطابه وتعبئة جمهوره.
على الرغم من أن النشرات تدرك أن الأخبار، على أهميّتها، ليست مغرية كفاية لجذب المشاهد الذي عرف بها أو ببعضها خلال النهار، لم تقدّم قناةٌ نشرةً يمكن اعتبارها خاصة، بأولوياتها ومضمونها ولغتها. التقليد سيّد الموقف، مع بعض العلامات الفارقة مع هذا المعدّ وفي ذاك التقرير. فأولويات النشرات ما زالت هي هي منذ عقود. وكأن الطاقم السياسي هو من يعدّ النشرات، وأحياناً يترك التقارير الخاصة، على قلّتها، للصحافيين الذين يتولون هم، في الغالب، مهمّتي الإخراج والمونتاج. ولم تجرؤ نشرة على تغيير الأولويات.
اكتفت النشرات الإخبارية بالقشور. فتراها، وهي تقدم بضاعتها القديمة ذاتها، تبذل جهداً إنشائياً في الصياغة، ولا سيما في المقدّمات التي تزيّنها وتطيلها وتشحنها بأساليب مسرحية، كأن تدرّب مقدّميها على الإيماء والإيحاء لتحميل الكلام موقفاً سياسياً، ولا سيما من الفريق الآخر. هذا ما يجعل إنجاز نشرة «اللبنانية للإرسال»، على سبيل المثال، يتجسّد في سرعة حكي مذيعيها، ولا سيما جورج غانم، متجاوزين الكثير من قواعد الأداء اللفظي والنحوي. ولعل في هذا إشارة إلى أن الأخبار، على أهميتها الإعلانيّة، مضجرة. فالسرعة في اللفظ تُضمر رغبة في المرور سريعاً عنها، للوصول إلى «السهرة والمنوّعات». معالم هذا النهج بدأت في الماضي عندما كانت المحطة مملوكة من فريق سياسي، وترسّخت في ظل الإدارة التي تبحث عن تسويات وتدوير زوايا.
هكذا، يطير نصاب أي كلام عن تطوير نشرات الأخبار، إذ في ثقافة التلفزيونيين، هي مضجرة ووسيلة إعلانية وخدمة سياسية لها أصحابها.
مرّة أخرى، ثمة ما يجعل القنوات تنظر إلى الأخبار كسياسة وحسب.