حسن خليل


لإرسال رسالة الى المحرر، انقر هنا

وأخيراً، اعتذر سعد الحريري واضعاً البعض في حيرة: إذا كان الهدف الضغط وشراء الوقت بانتظار حدث إقليمي لينعكس محلياً، كان في وسعه الاستمرار تكليفاً والامتناع تشكيلاً. هل القصة س ـــــ س إقليمياً أم م ـــــ م (موالاة ـــــ معارضة) محلياً؟ مهما تكن الأسباب، الواضح أن لبنان والمنطقة قادمان على تطورات ما تُعدّ للخريف المقبل، تتطلّب آليات عمل خاصة. قبل الاعتذار، تقدم الحريري بتشكيلة فيها أسماء بعضها معروف وبعضها الآخر لم يُسمع بها من العامة من قبل. أبرز تلك الأسماء هي التي طُرحت لوزارتي المال والاقتصاد. للمال اقتُرحَ اسم ريّا الحفّار، وهي موظفة في وزارة المال ضمن برنامج UNDP الذي تدرّج من خلاله المرحوم باسل فليحان عندما عمل مع فؤاد السنيورة، الذي بدوره كان وزيراً خلف الستارة للمرحوم رفيق الحريري، وزير المال حينها. بعدها اكتشف جورج قرم، وزير المال في حكومة سليم الحص، خبيراً مقيماً في باريس اسمه جهاد أزعور فوظّفه في مكتبه الاستشاري وبعدها معه في الوزارة. بعد ولاية قرم، يظهر أن السنيورة أُعجب بأزعور (للمناسبة وزارة المال هي التي تدفع مقابل خدمات UNDP التي أصبحت مصدر تخريج لوزراء المال). ونتيجة ليونة أزعور في إعادة التموضع وتجيير الولاء، وصل إلى أن يكون وزير المال لاحقاً. وهناك مَن يعتقد بأنه قد يكون الوزير خلف الستارة لريّا الحفّار هو والسنيورة، وذلك لأمور أكثر استراتيجية لعرّابيه الإقليميين. أمّا ندى مفرّج، فهي موظفة أكثر تواضعاً من ريّا الحفّار تعمل في البنك الدولي في مكتب المندوب العربي في مجلس الإدارة. طبعاً، إعلامياً، وما دامت الماكينة قادرة على ذكر كلمة «البنك الدولي»، تصبح الموظفة المقترحة في قياس بول كروغمان، أشرس الاقتصاديين الأميركيين انتقاداً للمنظومة المالية العالمية. ريا الحفار وندى مفرج تفاجآن بأنهما قد تصبحان «معالي الوزيرة» غطاءً لوزيرين خلف الستارة.
هذه هي وقاحة الممارسة السياسية في لبنان، ولكن قصة «الوزيرتين» ما هي إلا نموذج صغير لما هو أكبر وأخطر خلف الستارة.
حتى لو افتُرضَ أن سعد الحريري طريّ العود في السياسة وذو نيّة حسنة في الأهداف، يجب البحث عمّن خلف الستارة: منهم مَن يبخّر له بلغة الشوارع والعنترة، ومنهم مَن يوحي ويخطّط له في بيروت وباريس، كما يوحي لوليد جنبلاط المتقلّب بدون تردد مع غزارة الاعتذار عن سوء القراءة والتقدير.
وهناك مَن يقول إن السعودية لا تضمر إلا الخير للبنان وتعمل على هذا الأساس. ولكن ما الذي يفسّر تراجع التفاؤل على مسار «س ـــــ س» بعد التقدم الأخير. من وراء الستارة جهة إقليمية تريد من العرقلة في الساحة اللبنانية الضغط على سوريا لأخذها إلى تخفيف نفوذ حماس في الساحة الفلسطينية، وخاصة في غزة.
هذه الجهة الإقليمية هي أيضاً واجهة لأجهزة دول كبرى تعمل من خلف الستارة.
محلياً، الهدف «رجل مزعج» اسمه ميشال عون لأنه «الطرف المسيحي» الذي استطاع أن يلجم «الزحف الخليجي» إلى لبنان لضمّه، ولاحقاً سوريا، إلى «منظومة الاعتدال ورأس المال».
ودولياً، لهذه الجهة ومَن وراءها هدف أيضاً، مشاغبٌ اسمه ميشال عون مصحوباً بحزب الله، لأنهما العقبة الأساسية أمام التوطين الذي يمثّل المخرج الرئيسي لفصل لبنان عن النزاع العربي ـــــ الإسرائيلي، وحل عقدة «حق العودة».
نشاط السفارة وما يُحاك خلف الستارة لم يعد عملاً سرياً بالمطلق. فرئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو يزور مصر رسمياً، لكنه يعلن أنه سيجتمع مع عمر سليمان مدير الاستخبارات. وهل مَن لا يذكر أن كوندوليزا رايس أتت إلى المنطقة واجتمعت في جلسة واحدة إلى ستة رؤساء أجهزة استخبارات عربية أمام الكاميرات. غازي العريضي يطير في ليلة ظلماء ليجتمع مع مقرن بن عبد العزيز. في لبنان يتصرّف السفراء العرب والأجانب بوتيرة فريدة لا يمارسونها في أي بلد آخر، كأنهم جميعاً يعملون لمَن خلف الستارة في الشؤون اللبنانية. أصبحت المجاهرة بكسر الأعراف والتقاليد الدبلوماسية أمراً طبيعياً.
تطورات عديدة قد تشهدها المنطقة قريباً. الملف النووي الإيراني عاد إلى الواجهة مجدداً. الاستيطان على قدم وساق وكذلك محاولات التوطين.
أما بني عرب، فكلٌّ يغني على ليلاه في أمّة أبي نواس، فيما تعمل وطاويط الليل خلف الستارة. السعودية تبتعد عن سوريا مرة أخرى التي تُحاصَر من الباب العراقي، ومصر هدفها أن تعود المرجع الأول عربياً ولو بالعرقلة. هذا يجعل لبنان الحلقة الأضعف في الجو الاصطفافي ضمن مفتاح عدة الشغل الرئيسية: المذهبية و«محكمة دير شبيغل».
أين المعارضة؟ وما هي أدوات عملها، غير عناوين الرفض والممانعة؟ لا تنسيق إلا عند الإحراج، وفقط في العناوين العامة. تشكيك مستمر بين بعض الأفرقاء. لا فريق عمل مشتركاً ولا حتى استراتيجية موحدة. اختلاف إلى حد التباعد على أمور الدولة. سنوات مرّت وشاركت في الحكم. صحيح تصدّت للمؤامرات الخارجية بكل شجاعة، لكنها تغاضت إلى درجة أنها غطّت ممارسات الطرف الآخر وممارسات بعض أطرافها، حتى جاء مَن يقول: «هيك معارضة بدها هيك موالاة». كل هذا وتستمر السفارات في العمارات في عملها وتستمر «قصاصات الورق» مع مَن خلفهم وراء الستارات في عملهم، والآتي أعظم.