سمير يوسفهذه الحرب المستمرّة تأكل من ضلعك تراباً كافياً لزرع جديد. أمر غريب أن أرى في وركيك مماشط ذخيرة. أمر أغرب أن أسمع في وقت الهدنة صوتك الآتي كما اللحظة التالية للقصف. كلّ هذا الدم والموت والبارانويا، كلّ هذه الغيرة، هذا التملّك وهذه الرجعية، كلّ هذا الشذوذ يموت في التهدئة.
هذه الحرب المستمرّة ترسم جلدنا. نخلد لحظة، نلِد لحظات، فيما البغض يقف منتصباً، مجنّداً للكسر والهدر. يأتي منك إلى فراشي، يرحل منك كرهك ويرحل كرهي منّي. هذه الحرب المستمرّة تهدّ العنصر. أعرفك منذ فترة يا مَن بأحشائها يموت حقدي. أجد نفسي راكضاً لمزيد من النقاء والطمأنينة، صابباً المزيد من الرهاب فيك. أعرفكِ كما تعرفينني. ليس من ضلع آخر في شتاء العمر الطويل، أو ربيعه.
سنفكّر معاً الآن. لن ننصت إلى الشعراء ولن يهمنا إن كنّا سنعود إلى سهرة فقيرة كهذه. سهرة ليس فيها سوى وجهَينا وأناملنا وهذا الغطاء. سنفكر في الآخرين ونقول كالأطفال إنّهم جميعاً نيام لأنّهم ليسوا هنا ولا يروننا ولا يقرعون أبوابنا أو يحصون طرقاتنا ومطرنا.
أخذتِ ما طاب لي من العذاب ورويتِ ما يكفي من الأقاصيص المتعبة لجسدك المبلّل. أضعتِ اسمك في كلماتي المصفوفة عند حبال الوقت العموديّة. وُلدت من دون اسم، بموضوع وقصة وليالٍ حكواتية. ما دام الكلّ نياماً فسنوقظ خصلة الشعر النائمة على جبينك، ونخبرها أنّ رياحنا التقت في أغنية فلا يجوز أن لا يعرف الشعر الأبكم برسائل غريب مثلي لك.
دعي الوقت يجيب. الجواب غالباً ما يكون من الماضي وغالباً ما تكون الصور قليلة... إن سألتُ وسادتكِ المنقّحة من لعابكِ، فستجيب أنّ المسافة لم تعُد شاسعة، وأنّ القسوة التي تكسر بلّور فمك ما زالت تتحدث عن الحرب. إنّه الرصيد بلُغة رأس المال، إنّها المواجهة، وقدرها النضج، والنضج فقط.
في عرسكِ عزيزتي سأكون من النيام. أفتحُ باب المدرج فيأتي النسيان المحرّم بعد القليل من الهريان ليقول: «ليس في أبيضها ضنّاً بعد الآن، وليس في زجاج رضابها وعد أو شتول أو قيامة». أفتحُ باب المدرج وطير البرد يلتفّ حول برج النهاية، ينتصر في نهاية المطاف العبث المتربّص بيديك المتعرجتين وبقلّة صبري التي تهين. أعرف أنّ حائكة الأسطورة لن تيأس منّا، هي من لا تفهم أنّه في ليلة العرس نهب أنفسنا الحب والتعجب والذبيحة. أفتح باب المدرج، في يومكِ هذا في الكتاب والحبر والوعد، يومك في الأمومة والخصومة. أطرب، أطرب الآن وبعد حين.
الشعب دينه القمامة، وهذه القمامة دين هذا الشعب الذي نحن منه. شتّان ما بين الأفيون والقمامة. نحن نمثّل ونؤدّي مسرحية الأسى والموت كما نؤدّي الفرحة التي سرعان ما تنجلي ليحلّ مكانها الفكر الآخر والاحتمال الآخر والسؤال الآخر. نحتاجُ دائماً إلى الكارثة لنغيّر الأبعاد، كأعراس تنحني في سلام البزّاق، أعراس ما بعد الطوفان.
في الغد ستحصين السنين وستراجعين الخيارات لكن أيضاً لن يسعك إلا أن تنظري إلى جنودك حولك، هؤلاء المقاتلين الجدد الذين سكنوا دفء الشريان فيكِ. في عرسكِ عزيزتي، لن أغفر لك، لن ألومكِ أو أكرهكِ. في الصباح التالي، أعرف أنّهم ليسوا هنا، لا أفكاري ولا أنت ولا أيّ شيء ممّا كان.