وائل عبد الفتاح


لإرسال رسالة الى المحرر، انقر هنا

«العيّان»، أي المريض، و«الميّت» هما بطلا أي صفقة جديدة في الشرق الأوسط. وهي الصفقة المنتظرة من الجميع. يقبلونها علنية وسرية. لا يهمّ أيضاً موقع المطابخ التي تُطبخ فيها الصفقة، ولا أنها ستحافظ على الحقوق أو تضمن الأمن. المهم الصفقة في حدّ ذاتها. صفقة تمنح للمنطقة بعد سنوات من الحركة الدائبة في زيارات وقمم واستطلاعات وتليفونات وتصريحات. وهي أيضاً مركز ترتيبات داخلية لا يتوقع الناظر من بعيد أنّ لها علاقة بالصفقة الشاملة. هل هي شاملة؟ هل ستنهي الصراع العربي الإسرائيلي؟ هل... ؟ هل... ؟ الأسئلة غائبة. الأهمية كلها للحدث المنتظر. للانتقال من حالة «اللاسلم واللاحرب» إلى حالة أخرى. ليس مهماً الآن ماهية المرحلة ولا ترتيب المواقع فيها. المهم أن يحتل الأطراف المركزيون والهامشيون مواقعهم داخل المرحلة الجديدة.
مطبخ الصفقة سري، رغم أنه «أميركي» بلا أبواب تقريباً. مفتوح بلا مسافة بين طباخي الصفقة ومتذوقيها. لكن لا أحد يعلم لماذا يجلس اليوم أبو مازن مع نتنياهو. هل هناك حلحلة في المواقف؟ هل هناك جديد في ملف شاليط والأسرى؟
الجديد أنه بعدما كان شاليط يرتبط بتبادل أسرى فلسطينيين، أصبح ثمناً من أثمان وقف الاستيطان. والجديد أيضاً أن الاستيطان تحوّل إلى موضوع مركزي في مفاوضات الصفقة الجديدة بعدما كان دائماً موضوعاً ضمن موضوعات. لم يعد الاحتلال ولا الانسحاب من الأرض المحتلة... ولا الحدود... بل الاستيطان هو ما يفاوَض الإسرائيليون للتنازل عنه... الاستيطان في مقابل المقاومة. هذا هو مشروع أوباما الذي يواجه تعثرات كبيرة، لأنه يعتمد على «صناعة» صفقة كاملة... بين أطراف فاقدة لأهلية الوصول إلى اتفاقات.
الأطراف كلها تقريباً بلا شرعية، رغم أن «فتح» نظّمت جبهتها في المؤتمر الأخير واستعادت جزءاً من شرعيتها المتآكلة... وحماس ما زالت تنهش في شرعية أي طرف فلسطيني يستبعدها من توقيع الصفقة، وإن كان هذا الطرف كياناً تاريخياً مثل منظمة التحرير.
مصر، قائدة الصفقة، رتّبت بيتها الداخلي وارتاحت لرفع الضغط عن نظامها الحاكم ودفعه إلى مزيد من الإصلاحات الباهظة... وفي المقابل، ردّ الرئيس مبارك على هدية أوباما بأحسن منها، واقترح أن يكون التطبيع مقابل الحل النهائي... لا وقف الاستيطان.
هذه راحة لإدارة أوباما... لكنها تفسد الطبخة ولا تسرع في إنهاء الصفقة... بل يدخلها في القنوات السرية أو الإعداد غير المعلن للصفقة المنتظرة.
تبدو مصر قاطرة تشدّ خلفها كياناً ثقيلاً باتجاه التطبيع الكامل... التحضيرات في المطبخ على قدم وساق، وهناك محترفون قرأوا ملامحها مثل الدكتورة هالة مصطفى، رئيسة تحرير مجلة «الديموقراطية» (تصدر عن مؤسسة الأهرام) التي تحدّت الجميع واستقبلت السفير الإسرائيلي في مكتبها... ولم تنزوِ في حجرتها بالمؤسسة الضخمة... خرجت في الصحف وهددت بإعلان القائمة الكاملة لصحافيين اعتادوا زيارة سفير تل أبيب... والسفير بنفسه وعدها بالكشف الكامل.
رفضت هالة مصطفى، وهي عضو في لجنة السياسات، محاكمتها في النقابة... ولم تخجل من اتهامها بالتطبيع... وبدت بالنسبة إلى كثيرين «زرقاء يمامة» ترى ما سيحدث... أو بالنسبة إلى آخرين كانت «حيوان تجارب» يُختبَر به إلى أين وصلت مقاومة التطبيع ومدى قوتها المؤسسية بعيداً عن جدار العواطف.
في الوقت نفسه، تضخِّم صحف حكومية من نظرية المؤامرة الأميركية الصهيونية على فاروق حسني في الأونيسكو... وكأن مرشح نظام مبارك بطل قومي يقود فيالق مقاومة التطبيع.
لبْس وتداخل يعلم الله وحده إن كان مقصوداً للتمويه، أو أنه تعبير عن عشوائية داخل النظام وخارجه.
عشوائية كاشفة عن مدى ما وصل إليه النظام القائد لمنطقة في لحظة توقيع الصفقة المنتظرة.
إيران هي العدو المصنوع للتكتل الذي تقوده مصر... لا تخلو من جروح وشروخ في نظامها الذي يقترب من شيخوخة «الثورة» وضرباتها العشوائية... لكنه، رغم انكسارات نظام آيات الله في إيران وانشقاقاته، يبقى عدواً مشتركاً بين إسرائيل وتكتّل مصر والسعودية وما حولهما من دول وتنظيمات صغيرة.
وهذا سر قوة الورقة الإيرانية التي يضعفها تعنّت نتنياهو محترف الاستهلاك المتعالي لشعارات الحفاظ على إسرائيل.
يريد نتنياهو التعامل مع الاستيطان بمنطق التنازل عن حق. ويساوم بين مساحة زمنية واسعة: من توقيف الاستيطان ٩ أشهر إلى الوقف النهائي.
ولأن بيبي صديق صاحب المطبخ، فإنّه يدرك عدم وجود أوراق ضغط للتوقيف النهائي، والمساومة على مدة التوقيف قد تمنحه قوة أكبر، بينما تسحب من «فتح» الجزء الأخير من براعتها.
هذه إذاً صفقة بين طرفين: «عيّان» و«ميّت». ولا نعرف في الحقيقة ماذا سيفعل العيّان بالميّت. ولا كيف يكون مفيداً انتظار نتيجة فعل العيّان مع الميّت.