عشقت الكتب منذ طفولتها وسُحرت بمكتبة جدّها الأنيقة. لفتت أنظار النقّاد منذ اعتلت خشبة المسرح لأوّل مرة وشبّهتها منى واصف بنفسها. لكنّ «الأستاذة دلع ممدوح الرحبي»، بقيت المحاماة قدرها... والمسرح حبّها الأوّل

إيمان الجابر
عندما أعلن نادي الطائف الأدبي فوز دلع الرحبي بالجائزة الثالثة عن قصّتها «المقص» عام 1989، أدركت صاحبة «عصيّ الدمع» أنّ علاقتها بالكتابة صارت جديّة. «الفوز بالجائزة كان مفاجأة كبيرة بالنسبة إليّ. كنت على يقين بأنّ حاتم علي هو الفائز بالجائزة الأولى. كثيراً ما آمنتُ بموهبته الأدبية». يومها، كانا حبيبين تجمعهما أحلام ومشاريع مستقبلية. لكن حاتم لم يفز، ولم يصبح كاتباً. تضحك دلع وتقول بلهجتها الشامية: «الجائزة غيّرت حياتي. لم أكن أتوقع أن ما أكتبه له علاقة بالأدب».
جدّها لأمها، كان تاجر عباءات في سوق «مدحت باشا» وعاشقاً كبيراً للأدب. طفلةً، كان يلقي على مسامعها قصائد من عيون الشعر العربي، ما أسّس لذائقتها الأدبية. كان الجدّ يُجلسها في بيته الدمشقي العريق في حي القنوات، ليتلو عليها القصائد. وحتى الآن، لا تعرف صاحبة «حكاية الشيخ أبي خليل القباني» لماذا كان يميّزها عن باقي أحفاده: «كنت أحبه كثيراً، وكانت مكتبته تسحرني بأناقة كتبها المجلّدة».
تربّت دلع البنت الثالثة بين ستّ بنات، في كنف أم تعشق الفن والسينما، وأب من حي الشاغور العريق، يعمل ضابطاً في الجيش العربي السوري، سُرِّح منه عام 1964 لأسباب سياسية تتعلق بالانقلابات السياسية، وتداعيات ما بعد الانفصال بين سوريا ومصر. لكنّ الوالد لم ينله الإحباط، بل تابع دراسة الحقوق ومارس عمله محامياً بعدئذ.
لم تعانِ الأسرة أية مشاكل. في بيتهم في حي أبو رمانة، كان المناخ الذي نشأت فيه مثالياً: درست في إحدى أعرق المدارس في دمشق. كانت الحياة طبيعية بالنسبة إلى فتاة تعيش في أسرة محافظة، بقيت بعيدة عن الانخراط في حزب، أو حتى التأثر بتيار فكري ما. لكن قبل الحصول على الثانوية العامة وخلال المراهقة، بدأت السيناريست دلع تواظب على حضور دروس دين. غرقت في بحر الدين، وشُغلت في «ممارسة الطقوس والغرق في عالم الدين والروحانيات. كان شيئاً مدهشاً وساحراً». لكن الانجراف وراء هذا الاتجاه أخاف الأسرة المحافظة التي تمارس طقوسها باعتدال وعقلانية. لم يوافق الأهل على هذا الجموح، وخافوا على ابنتهم من مشاعر متطرفة، وخصوصاً أنّ الظروف السياسية في نهاية السبعينيات كانت في حالة غليان بسبب حوادث الإخوان المسلمين. لكنّ الأسرة تفهّمت طفلتها واحتوتها حتى انتهت مراهقتها الدينية بعد سنتين.
في 1980، حصلت على الثانوية ودخلت كلية الحقوق. «مهنة المحاماة كانت قدري لكنّ حلماً دفيناً بالتمثيل ظل يراودني. كبتّه بتأثير التدين ثم عاد ليحيا». قبل ذلك، كان التمثيل بالنسبة إليها يعني شيئاً واحداً فقط هو مصر. البلد الحلم. بلد عبد الحليم حافظ. «أحببت جمال عبد الناصر بسبب أغاني عبد الحليم الوطنية». عندما كانت تذهب إلى بيت جدها سيراً من حي أبو رمانة إلى القنوات، كان عليها أن تمر بمنطقة محطة الحجاز في قلب دمشق وتعبر أمام «شركة مصر للطيران». هناك، كانت تقف وتطلق العنان لخيالها بالذهاب إلى مصر. لكنّ زيارة السادات إلى إسرائيل واتفاقية «كامب ديفيد» أغلقتا أبواب الشركة لسنوات. هكذا، استسلمت دلع للواقع ودرست الحقوق وتدرّبت في مكتب والدها وأصبحت «الأستاذة دلع ممدوح الرحبي» كما تحب أن يُكتب اسمها.
خلال الدراسة في كلية الحقوق، عاد حلم التمثيل يدغدغها من خلال ريبورتاج تلفزيوني عن المعهد العالي للفنون المسرحية. هكذا، لم تتردد في الانتساب إليه والدراسة إلى جانب دراسة الحقوق. وهذا الأمر لم يعجب الأهل، وخصوصاً الأب الذي كان يريد لابنته مستقبلاً في المحاماة. لكنه وافق شرط ألا تحترف التمثيل. «قطعت عهداً على نفسي له بأن أدرس التمثيل إشباعاً لهوايتي فقط». في المعهد، تعرّفت إلى زوجها حاتم علي الذي لفتها بخجله. «كان قليل الكلام. ولكن إن تحدث، يقول المختصر المفيد». تخرجت دلع من المعهد بعد أربع سنوات وكانت الأولى على دفعتها. وحين تقوّم تلك السنوات، تصفها بـ « أجمل أيام حياتي فترة الدراسة. وأتعسها كان يوم التخرج 1986». لفتت أنظار أساتذتها بموهبتها والسعادة كانت تجدها على الخشبة خلال البروفات.
بعد التخرّج، انهالت عليها فرص كبيرة وعروض تلفزيونية مغرية. «كم كان صعباً أن أتجاهل تلك الفرص وأرفضها لأني التزمتُ بعهدٍ مع والدي». بعد سنتين، عرض عليها المخرج الراحل فواز الساجر دور الملكة في مسرحية «سكان الكهف» (1988). لم تستطع مقاومة عرض مماثل. عملت في هذا العرض تحت اسم مستعار هو غالية علي، وهو الاسم الذي تحمله طفلتها الصغرى، وتألّقت في العمل الذي قوبل بمديح النقّاد، ووُصفت
بـ«الملكة». يومها، كتب الناقد الراحل عمار الكسان: «غالية علي، الوجه النسائي النادر المفتقَد على خشبة المسرح في سوريا، وصاحبة إمكانات جديدة ونادرة». ولاحقاً، قالت عنها الفنانة منى واصف: «أعجبتني جداً دلع. أبكتني. هي ممتازة إحساساً وإلقاءً وحضوراً. في لحظات، أحسستُ أنّ هناك ومضات تشبهني».
بعد سنتين، شاركت في عرض «الاغتصاب» عن نص للراحل سعد الله ونّوس وإخراج جواد الأسدي. كانت العروض استثنائية في دمشق وعمان والقاهرة وبيروت. عن دورها فيه، حصدت جائزتين كأفضل ممثلة في «مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي» ومن لجنة النقاد (1991). وفي أحد العروض في عمان، كان الشاعر محمود درويش حاضراً، فأبدى إعجابه بأدائها، وأهداها كتابه «ذاكرة للنسيان»، حيث خطّ على صفحته الأولى: «إلى المفاجأة دلع». فوزها بجائزة أفضل ممثلة والكتابة عنها في الصحف العربية، جعلها تواجه مشاكل بوصفها محاميةً، إلا أن التمثيل ظل حلماً تحقّق لمرتين بعدها في مسرحية «تقاسيم على العنبر» لجواد الأسدي ومسرحية «الآلية» لمانويل جيجي، ثم طوت صفحته تماماً لتفتح صفحات الكتابة فيما بقيت المحاماة مهنةً وقدراً.
نشرت عدداً من القصص القصيرة في الملحق الثقافي في جريدة «النهار» اللبنانية، وكتبت أول فيلم تلفزيوني لها «الإجازة» الذي أخرجه هيثم حقّي. بعدها، توالت الأعمال التلفزيونية التي كتبتها، والمسرحيات التي ألفتها أو أعدتها. وكان مسلسل «الفصول الأربعة» الذي كتبته بمشاركة الكاتبة ريم حنا واحدةً من أرقى التجارب وأهمّها في مجال الدراما الاجتماعية. اليوم، تقسّم دلع الرحبي حياتها بين بيتها وأمومتها لثلاثة أولاد، والمحاماة والكتابة.


5 تواريخ

1963
الولادة في دمشق

1987
نالت دبلوماً في العلوم الجنائية، وحصلت على لقب أستاذة في المحاماة

1990
قدّمت أول عرض لمسرحية «الاغتصاب»، وتزوجت الفنان حاتم علي، وكتبت أول فيلم تلفزيوني لها «الإجازة»

2008
ألّفت مسرحية «حكاية الشيخ أبي خليل القباني والوالي مدحت باشا» (منشورات دار ممدوح عدوان للنشر والتوزيع) التي كتب مقدمتها الفنان جمال سليمان

2009
تعمل على مشروعها الروائي الأول