رشا نجديلم تكن تلك المرة الأولى التي يبثونها في ذاك المكان، ولا المرة الأولى التي أتحمس فيها مع صديقاتي للرقص على أنغامها. لكنني، بكيت عندما سمعتها هذه المرة، وتوقفت عن الرقص فجأة. فالأصوات قد بُحّت وخفتت. تلك الأصوات التي علت خلال السنوات الستين الأخيرة دفاعاً عن قضايا التحرر الوطني والمقاومة، إلى تحرر المرأة والإنسان، مروراً بالحروب والنكسات التي كانت تجبرنا على رفع أصواتنا، إما ألماً وإما انتحاباً. ثم، ما هي الأغاني التي ما زالت ممكنة؟ في صغري، كانت الأناشيد تملأ بيتنا: من تلك التي تدعو إلى الأممية إلى التي تدعو إلى الثورة مع الشعب المسكين والسعي للعدالة الاجتماعية فليس للجميع ما يكفيهم من خبز وماء.
ما الأغنية الممكنة الآن؟ ففي تلك الحانة ذاتها، ترقص الفتيات حتى على أنغام أغنية عبد الحليم الوطنية «باحلف بسماها وبترابها».
الأغاني الممكنة الآن هي تلك التي يبثها الراديو طوال الوقت. أما الأغاني التي أتحدث عنها، فهي تلك التي تستمع إليها بكلفة عالية سواء في الحفلات المحدودة الموسمية أو في أحد أماكن السهر «الملتزمة». وفي كلتا الحالتين، لم تعد هذه الأغاني ممكنة... لأنها مكلفة. وستجد من يهزأ بك إذا سمحت لنفسك بالتفكير بأنها لا تزال ممكنة.
«ولا انهزام ولا انكسار ولا خوف ولا حلم نابت في الخلا».
لن أقبل أن يهزأ أحد بعد اليوم بأفكاري عن الدولة التي أحلم بها، لأنها ليست «حلم نابت في الخلا». طبعاً الانهزام والانكسار ضروريان لـ«تقوية العود»، الذي يشتدّ فيصبح كـ«النخل باصص للسما». تداوي هذه الأغنية «جرحي اللي انجرح»، فأعود إلى حلبة الرقص، وأرقص حتى الصباح.