ما حكّ جلدك مثل ظفرك. هذا ما فهمه أهالي بلدة حوش العرب، أو بالأحرى إحدى الصبايا المتعلمات فيها، فما كان منها إلا أن بادرت إلى حكّ أمية بعض أهلها، بظفر ما تعلمته، عبر دورة مجانية
البقاع ــ رامح حمية
90% هي نسبة الأمية في بلدة حوش العرب. المشكلة ليست جديدة، كما يشير الرقم، لكن مع أن نسبتها بلغت هذا المبلغ، فإن أحداً لم يتحرك، ما جعلها تتفاقم يوماً بعد يوم، حتى بدأت تظهر في عجز الأهل عن الاهتمام بواجبات أبنائهم المدرسية. ولأن «ما حدا بيبكي علينا بالدولة حتى يهتموا فينا.. وآخر هم عندهم إذا تعلّموا أهل حوش العرب أو ما تعلموا»، كما تقول هدية فرج (55 عاماً)، كان لا بد لأحد أبناء البلدة المتعلمين، وعلى مبدأ «ما بيحك جلدك مثل ظفرك»، أن يتولى معالجة المشكلة. وهذا بالفعل ما أقدمت عليه ابنة البلد حمرا أبو عيد (وهي طالبة سنة ثانية فلسفة عربية) التي قررت إقامة دورة لمحو الأمية تخضع فيها كل من يرغب في التخلص من هذه المشكلة لتكثيف في دروس القراءة والكتابة، وخاصةً أن مشكلة الأمية المتفاقمة في بلدتها، أصبحت تنعكس سلباً مع مرور الأيام على العائلة بأكملها. ويظهر هذا الأمر من خلال شكاوى المعلمين في متوسطة البلدة، الذين يتأفّفون من عدم قدرة أهالي التلامذة على متابعة أبنائهم في المنزل، ما أدى الى زيادة نسبة التسرب المدرسي والكسل، وبالتالي الرسوب المتكرر. وفي حديث إلى «الأخبار» رأت صاحبة المبادرة، أنّ من «الضروري البدء بعمل وإن كان بسيطاً لمعالجة المشكلة». وأشارت إلى أنها احتاجت إلى وقت لا بأس به، حتى تمكّنت من إقناع بعض الفتيات الأميات، إضافةً إلى ربات منازل وحتى بعض الصبية، بحضور ومتابعة دورة محو الأمية التي بادرت إلى إقامتها، «وقد تمكّنت بمجهود شخصي وفردي من جمع أكثر من 25 شخصاً ومن مختلف الأعمار، وبدأت منذ ثلاثة أسابيع بإعطائهم دروساً في تعلم الأبجدية وتركيب الجمل، إضافةً إلى أمور توعوية اجتماعية». وأكدت أبو عيد أنها لم تتلقّ أي نوع من الدعم والمساعدة من أحد، سواء من الدولة أو مؤسسات المجتمع المدني والأهلي ـــــ المحلي، باستثناء الجامعة الأميركية في حوش سنيد التي «وافقت على طلبي بطباعة بعض الكتب بغية توزيعها على المشاركين في دورة محو الأمية» مجاناً.
المشاركون في دورة محو الأمية على اختلاف فئاتهم العمرية، انقسموا حول الأسباب التي منعتهم من دخول المدرسة بشكل منتظم عندما كان الوقت مناسباً، لكنهم أجمعوا على إصرارهم على متابعة الدورة حتى نهايتها، مع التشديد على استمرارية مثل هذه الدورات بغية التخلص من معاناتهم اليومية «لفك رموز» وصفة الطبيب أو متابعة جدية لدروس أبنائهم. وأكدت الحاجة هدية فرج أنها «لم تدخل المدرسة إلا يوما واحداً فقط»، بسبب انتقالها من سوريا إلى لبنان، في ظل انصراف الجميع إلى التفكير في كيفية تأمين مورد رزق للعائلة، سواء من خلال الزراعة أو تربية المواشي. ورأت أن هدفها الأساسي من دخول الدورة هو تمكّنها فقط من «قراءة بعض السور القرآنية». أما زينب أبو عيد، فقد رأت أن مسألة الجنسية كان لها دور كبير في منع التعلم، حيث كان التفكير السائد حينها «لإيش التعلم طالما وظائف ما في لا للشباب ولا للبنات»، وأكدت مدى الإحراج الذي أصابهم خلال الانتخابات النيابية الأخيرة عند إقدام غالبيتهم على البصم دون التوقيع، ومنعاً لهذا الإحراج «أحضر كل ساعات الدورة وأتمنى أن تتواصل الدورات حتى بعد انتهاء فصل الصيف، حتى نتمكن من تأمين المساعدة والمتابعة الدراسية لأبنائنا».
أبرز المشاركين في دورة محو الأمية عدد من تلامذة متوسطة حوش العرب الرسمية، من صفوف التعليم الأساسي (الخامس والسادس) الذين لم يختلفوا نهائياً عن المشاركين الأميين الآخرين، لناحية عدم معرفتهم بالأحرف والكلمات، وطريقة كتابتها. فقد لفت التلميذ راتب رمضان، وهو في الصف السادس، إلى أنه لا يمكنه الكتابة ولا حتى معرفة الحروف، وأنه يتابع دورة محو الأمية بقصد تعلم الحروف والطريقة التي تكتب فيها. أما فاطمة 17 عاماً، فأكدت أنها وصلت للصف الخامس، وعندما وجدت أنها لا تكتسب شيئاً من المدرسة، ولا حتى ليس لديها من يقدم إليها المساعدة في البيت، قررت ترك المدرسة نهائياً، وهو ما ندمت عليه كثيراً.
اليوم، سيحصل كل من هؤلاء على فرصة جديدة.