أما الحديث عن «غسيل الأموال» و«تهريب أموال»، فهذا يستطيع أي إنسان أن يتأكد من «كذبه» عندما يسأل النظام المصري سؤالاً واحداً: لماذا ترفض الحكومة والأجهزة باستمرار فتح المعبر الوحيد لإيصال المعونات إلى غزة؟ ولماذا تترك الحكومة المعونات المقدمة من الشعب المصري وغيره من شعوب العالم العربي والغربي وحكوماته نهباً للسرقة في مخازن بدائية في مدينة العريش؟ ولماذا لا تسأل الحكومة أجهزتها الأمنية في غزة أو أهالي غزة أنفسهم، أو الحكومة الشرعية في القطاع سؤالاً واحداً: هل تصل المعونات أم لا؟
وهناك ما هو أبسط: لماذا لا يسأل الجميع أنفسهم كيف صمد القطاع المحاصر طوال هذه الشهور والسنوات في وجه الحصار الظالم الذي يشارك العرب فيه، لولا تلك المعونات الإغاثية التي تصل بالقطارة؟
الحملة على «إخوان» مصر حلقة في خطة دولية لتصفية القضية الفلسطينية
لمزيد من الإيضاح عن هذا المخطط الشيطاني نلاحظ التالي:
1ــــ يسعى بنيامين نتنياهو إلى إلغاء كل المظاهر العربية في الأرض المحتلة عام 1948، بإلغاء الأسماء العربية للقرى والشوارع، وسن القوانين التي تحرّم وتجرّم الاحتفال بالنكبة أو المظاهر العربية.
2ــــ يستمر العدو في الاستيطان في القدس والضفة الغربية دون كلل أو ملل، رغم كل الاعتراضات الظاهرة، أميركية أو أوروبية أو عربية، في شبه مسرحية عنوانها «قولوا ما شئتم، ونفعل ما نريد».
3ــــ يقوم محمود عباس باحتواء كامل لحركة «فتح»، ويسعى بدأب لتنفيذ رؤيته في إلغاء كل مظاهر المقاومة فيها وفي منظمة التحرير، ويحكم سيطرته عليها بإخراج بقية القيادات التاريخية فيها.
4ــــ تطارد أجهزة الأمن الفلسطيني المقاومين من كل الفصائل بكل همة ونشاط، وتقتل بعضهم تحت رعاية تامة من الجنرال الأميركي دايتون الذي يذهب إلى الكونغرس ليدلل على نجاح خطته في تأمين العدو الصهيوني بإنهاء أي تهديد لأمن العدو من الضفة الغربية.
5ــــ تسمح مصر بمرور مدمرتين صهيونيتين من قناة السويس مروراً بريئاً كما يقول وزير الخارجية، والهدف الصهيوني هو مراقبة البحر الأحمر، وخاصة ما يتردد من مرور سفن إيرانية تحمل السلاح إلى قطاع غزة، أو للقيام بمناورات مشتركة تمهيداً لشن حرب على إيران. فإذا كان هذا هو المرور البريء، فماذا عن غير البريء؟
6ــــ تسمح مصر بصفة دورية لمهندسين ونواب أميركيين بتفقد الحدود الشرقية عند رفح، للتأكد من إحكام الحصار لمنع تهريب السلاح، وتتسلم مصر معدات إلكترونية متطورة لكشف أي محاولات للتهريب.
7ــــ تسكت مصر عن الاتفاقيات الدولية التي يوقعها العدو مع أميركا وأوروبا لمنع تهريب السلاح عبر البحر المتوسط. ويطارد العدو سفن «غزة حرة» التي لا تتوقف عن محاولات كسر الحصار، وهي تأتي من أوروبا، بينما لا نجد أي جهد عربي جاد، أو مصري، لكسر الحصار.
8 ــــ لا تقوم مصر بأي جهد حقيقي لكشف المسبب في عرقلة جهودها الدؤوبة لإنجاز المصالحة الفلسطينية بين «حماس» و«فتح». وفي المقابل، يحرج محمود عباس وأجهزته الأمنية مصر على الدوام، ويرفض كل مقترحاتها للمصالحة، وكأن هدفه هو مطّ الوقت وإحراج مصر وتكريس الانفصال.
9ــــ تمنع مصر كل الجهود الشعبية لدعم الشعب الفلسطيني، وتحكم إغلاق معبر رفح تماماً إلا لعبور الأفراد وبعض شحنات الأدوية فقط، رغم كل المطالبات الدولية بفتح المعابر كما جاء في بيان قمة الثماني الكبرى في إيطاليا أخيراً، وكأن هذه مطالبات شكلية لرفع الحرج والعتب، بينما الاتفاقات السرية تؤكد إحكام الحصار.
10ــــ تتهم مصر وأجهزتها الأمنية كل من يدعم الشعب الفلسطيني في مصر والخارج بـ«تهديد أمن الدولة المصرية»، وتقدمه للمحاكمات الاستثنائية بهذه التهمة الخطيرة، وأخيراً يخرج علينا وزير خارجية البحرين يدعو إلى التطبيع المجاني مع العدو الصهيوني.
إذاً، انكشف المستور، وهذه القضية الجديدة هي حلقة في خطة دولية لتصفية القضية الفلسطينية، والمطلوب هو إنهاء جهد «الإخوان» لدعم الشعب الفلسطيني، أو تحييد الإخوان بعيداً عن هذا الملف الهام والخطير.
لقد دفع «الإخوان المسلمون» ثمناً باهظاً منذ تصديهم للمخطط الدولي الصهيوني لإقامة دولة عبرية صهيونية بعد اغتصاب أرض فلسطين، وقدّموا رأس مرشدهم الأول ومؤسس جماعتهم لهذا السبب، وغُيّبوا خلف أسوار السجون سنوات طوالاً بهدف تمكين العدو في أرض فلسطين. وكانت المفاجأة أن الحركة الإسلامية انتفضت في أرض فلسطين، في غزة والضفة الغربية، ووصل المخطط إلى مأزق خطير.
لن تُصفّى القضية الفلسطينية، ولن يموت الشعب الفلسطيني، ولن تنتهي حركة جهاد الفلسطينيين، ولن يتوقف الشعب المصري عن دعم صمود جهاد الفلسطينيين جميعاً، ولن يتخلى الإخوان المسلمون عن إدراكهم لحقيقة المشروع الصهيوني المدعوم غربياً، من أنه عقبة في وجه نهضة الأمة ووحدتها، وأن هدفه عرقلة مشروعها الحضاري العربي الإسلامي.
* قيادي في جماعة الإخوان المسلمين في مصر