رغم توضيحات وزارة الصحة، والدعوات إلى عدم الذعر من أنفلونزا «آي أش 1 أن 1»، فإن رد فعل اللبنانيين تجاه هذا الفيروس يتفاقم. مدرسة تغلق أبوابها بعد اكتشاف 5 إصابات، وسيدة تُطرَد من منزلها، وتهدَّد عائلتها من سكان الحيّ خوفاً من انتشار المرض. هذا في الصيف. فماذا عن الخريف الذي سينتشر فيه الفيروس على نحو واسع؟
بسام القنطار
مثّل قرار مدرسة الجالية الأميركية في بيروت إغلاق برنامج التدريس الصيفي بعد اكتشاف 5 طلاب مصابين بأنفلونزا «آي أش1 أن1» «بروفة» مبكرة للقرارات التي يمكن أن تتخذها المدارس اللبنانية مع بداية العام الدراسي في أيلول المقبل، الذي يتزامن مع أكبر موجة متوقعة للفيروس.
نائب مدير المدرسة «دافيد وارن» أكد في اتصال مع «الأخبار» أن الإدارة تابعت الحالات التي اكتُشفت، وتأكدت من عدم توسع رقعة الإصابات لدى بقية الطلاب. مع ذلك، اتخذت المدرسة قراراً بالإقفال لمدة أسبوعين. لكن وارن يحرص على الطمأنة قائلاً: «نحن نتعاون مع وزارة الصحة لمعرفة الخطوات التي سنتخذها في المستقبل في حال اكتشاف حالات جديدة، ويوجد ممرضتان في المدرسة، إضافة إلى كشوفات دورية يجريها الطبيب، وسنتخذ احتياطات إضافية وإجراءات مع الأساتذة والموظفين أيضاً».
كلفة تطعيم اللبنانيين ستصل إلى 13.50 مليون يورو
في هذا الإطار، أكد وزير الصحة الدكتور محمد جواد خليفة في اتصال مع «الأخبار» أن الوزارة ستتخذ إجراءات صارمة تتعلق بدور المسنين «لأن نزلاء هذه الدور هم عرضة أكثر من غيرهم للتأثر السلبي بهذا الفيروس. كذلك ستبادر إلى تنظيم حملات توعية موسعة لتثقيف طلاب المدارس والمعلمين والأهالي والكادر الطبي في المدارس وتدريبهم على كيفية التعامل مع أعراض الأنفلونزا». وكرّر ما سبق أن أشار إليه في مؤتمره الصحافي الأسبوع الماضي عن أن الهدف من الفحوص التي تجريها الوزارة ليس تأكيد وجود المرض أو عدم وجوده، بل «مراقبة إن كان هذا الفيروس يتطوّر ويتفاعل وينتقل إلى حالات أقوى مما كان عليه». أضاف: «في الخريف ستتوقف الوزارة عن إجراء الفحوص المخبرية على غرار ما تفعل الآن العديد من الدول الأوروبية والأميركية، وسنكتفي بإرشاد المريض إلى الطبيب المختص للمعالجة».
وحذّر خليفة من حالات الذعر غير المبررة التي تسري بين اللبنانين عند اكتشاف مرضى يعانون عوارض الأنفلونزا، راوياً أن سيدة اتصلت به من النبطية، وهي في حال نفسية سيئة جراء طردها من البيت لأنها تعاني ارتفاعاً في درجة الحرارة، وكيف أن عائلتها وأهالي الحيّ يهددونها بضرورة المغادرة خوفاً من التقاطهم العدوى.
ولفت خليفة إلى أن هذا النسق من التعاطي الشعبي مع المرض خطير، «فنتائج الفحوص المخبرية التي تجريها الوزارة في المختبر الحكومي الموجود في مستشفى الرئيس رفيق الحريري الجامعي تحتاج إلى 3 أيام. ماذا سيفعل المريض في هذا الوقت؟ هل من المفيد طرده أو إنكاره؟ هذا غير منطقي، والإرشادات التي يجب اتباعها واضحة، هي ضرورة عدم الاحتكاك المباشر بالمريض وغسل اليدين وغيرهما. ومن يشعر بعوارض المرض فعليه مراجعة طبيبه الذي يتصرف بحسب معرفته وخبرته». وأعلن عقد سلسلة اجتماعات مع المسؤولين في وزارة التربية والمشرفين على دور الحضانة وأصحاب المدارس الخاصة ومسؤولين من إدارة التعليم الخاص، لإلقاء الضوء على جملة الخطوات الاحترازية التي يجب اعتمادها لتفادي تفشي الأنفلونزا. وعن الموازنة التي خصصتها الوزارة للإجرءات المتعلقة بأنفلونزا «آي أش1 أن1»، قال خليفة: «الوزارة تعمل ضمن إمكاناتها المتوافرة. لكن لا شيء يمنع من صرف اعتمادات إضافية إذا كان هناك حاجة لهذا الأمر».
وتشير المعلومات إلى أن العديد من الدول الأوروبية، ولا سيما اليونان، اتخذت قراراً بإعطاء لقاحات لكلّ سكان البلاد، رغم أن توافر هذه اللقاحات لن يكون في الموعد المثالي، أي بداية شهر الخريف. وبحسب أكثر السيناريوات تفاؤلاً، فإن اللقاح سيكون متوافراً في منتصف تشرين الأول في عدد من دول الشمال، ولن تحظى دول الجنوب بفرصة الحصول عليها قبل النصف الثاني من شهر كانون الثاني 2010.
وكانت منظمة الصحة العالمية قد أعلنت الأسبوع الماضي أن الجرعات الأولى من اللقاح المضاد للأنفلونزا ستكون متوافرة مطلع الخريف في النصف الشمالي من الكرة الأرضية، لكن المنظمة لا تعرف ما إذا كانت جرعة واحدة أو جرعتان تكفيان للحصانة من المرض. وأشارت المنظمة إلى أن «التجارب السريرية بدأت في بعض الدول، وسنعرف النتيجة في غضون أسابيع بعد اللقاحات الأولى، لأنه يجب أن نرى ردود فعل الأشخاص والأجسام المضادة لنحدد ما إذا كانت جرعة واحدة كافية أو أننا نحتاج إلى جرعتين».
وفي حال صحة ما توقعه خبراء الأمصال عن احتياج الفرد على الأرجح إلى جرعتين للوقاية من الفيروس، فإن لبنان سيكون بحاجة إلى أكثر من 8 ملايين جرعة لتحصين كل السكان، بكلفة تصل إلى 13.50 مليون يورو على أقل تقدير.
تجدر الإشارة إلى أن النقاش العالمي بدأ يتصاعد حول ظاهرة مقاومة الفيروس لدواء «أوسلتاميفير»، أو ما يُعرَف تجارياً باسم «تاميفلو»، وكذلك لدواء «زاناميفير» أو ما يعرف تجارياً باسم «ريلنزا». وكشفت منظمة الصحة عن عدة حالات مقاومة لهذا الدواء، لكنها ليست مرتبطة ببعضها. وأوضحت أن الأطفال والفتيان ما زالوا يمثّلون أغلبية المصابين، وأنه من الأسهل للفيروس الانتشار في المدارس، وأن الذين يصابون بنوع أخطر من المرض هم أكبر سناً من أطفال المدارس والمراهقين.