عمر نشابةلم تمرّ 24 ساعة على الجريمة الإرهابية التي استهدفت رئيس مجلس الوزراء الأسبق وأحد أبرز رجال الأعمال في العالم، رفيق الحريري، حتى صدر عن مجلس الأمن الدولي بيان استنكار شديد اللهجة. تبع ذلك حماسة دولية غير مسبوقة للتحقيق في ملابسات الجريمة، ترافقت مع مهرجانات شعبية ضخمة في شوارع بيروت تدعو إلى «محاسبة سوريا» استباقاً للأحكام القضائية وإرضاءً لإدارة جورج بوش الراحلة، عن قصد أو غير قصد. واستدعت «جريمة العصر» جهوداً بذلها أركان «المستقبل» و«القوات اللبنانية» وحزب الكتائب ومن يسمّي نفسه اشتراكياً ويسارياً يداً بيد سفراء الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى وفرنسا لإنشاء آلية دولية لتحقيق العدالة.
مرّ عام على ذلك، تبعته سلسلة جرائم قتل أدّت إلى استشهاد أكثر من ألف ومئتي لبناني، بينهم مئات الأطفال في مختلف أرجاء البلاد. الطفلة رانية من بين هؤلاء
أصيب المبنى البسيط الذي تقطن فيه الفتاة التي لم تكن قد بلغت ثلاثة أعوام مع والديها وأخواتها بقذائف دمّرته بالكامل.
قتلت رانية، ولم يصدر بيان استنكار عن مجلس الأمن الدولي. لم تتجمّع الجماهير الغفيرة في ساحة الشهداء للمطالبة بالعدالة الدولية.
على أي حال، لا شك في ضرورة كشف الحقيقة ومحاكمة قتلة الحريري. غير أن المطالبة بذلك من دون المطالبة بمحاكمة قتلة رانية يتجاوز مبادئ العدالة. قد يقول البعض إن الحريري رئيس حكومة ونائب منتخب وزعيم طائفة، بينما رانية مجرّد طفلة. ذلك بحد ذاته يدعو إلى تقديم قضية رانية على قضية الحريري، إذ إن الطفلة رانية قتلت قبل أن تبلغ سناً يسمح لها بتكوين رأيها السياسي وموقعها ووظيفتها. قتلت رانية قبل أن تبلغ سناً يسمح لها باختيار مكان إقامتها. رانية لم تختر، كما لم يختر أهلها وذووها الذين يعملون في القطاع الزراعي خطّاً سياسياً ينتمون إليه. وبالتالي رانية لا تستحقّ محكمة دولية. فمن هي أصلاً لتستحقّها؟ ما قيمتها أمام شعب لبنان العظيم؟ ما معنى وجودها أو عدم وجودها؟ رانية مجرّد رقم، مجرّد كلمات تكتب في الصحف... رانية لا أحد.
أما الرئيس الحريري فكان يدرك احتمال تعرّضه للاغتيال بمجرّد دخوله الحياة السياسية اللبنانية وتولّيه رئاسة الوزراء. إذ إن سنوات قليلة تفصل بين اغتياله واغتيالات طالت الرؤساء رينيه معوّض وبشير الجميل ورشيد كرامي ومفتي الجمهورية الشيخ حسن خالد وغيرهم من القادة ورجال السياسة. واتخذ الحريري لهذه الغاية كلّ الإجراءات الأمنية الممكنة واعتمد مرافقوه أحدث التقنيات وأساليب الحماية.
لا يعتبر مجلس الأمن الدولي قتل الفقراء تهديداً للسلم والأمن الدوليين، ولذلك لا محكمة دولية لرانية... لكن مهلاً. أليس كذلك هي الحال مع اغتيال الرئيس الملياردير الشهيد؟