تشهد شعاب بلدات دير الأحمر واليمونة وعيناتا وبشوات وشليفا ومنحدراتها انتشاراً واسعاً لزراعة الكرمة التصنيعية الخاصة بإنتاج النبيذ الذي يعتبر أحد أكثر الأصناف التي تصدّر إلى الخارج، منتجاً زراعياً مصنّعاً في لبنان
البقاع ـــ رامح حمية
على مدى أكثر من 15 عاماً والدولة تنقّب وتبحث عن زراعة تقترحها على مزارعي البقاع، بديلاً يعتمدونه ويغنيهم عن زراعة حشيشة الكيف، فيما تمكّن بعض المهندسين الزراعيين، بالاشتراك مع عدد من التعاونيات الزراعية والشركات اللبنانية، من توفير زراعة الكرمة التصنيعية الخاصة بإنتاج النبيذ الذي يعتبر منتج زراعي ــــ صناعي يصدّر إلى الخارج.
وتشهد زراعة الكرمة اليوم إقبالاً من المزارعين في البقاع الشمالي بعدما كانت حكراً على مزارعي البقاع الغربي والجزء الأوسط من البقاع. فقد اتسعت الدائرة من محيط بلدات دير الأحمر وبشوات وعيناتا واليمونة وشليفا لتمتد وتصل إلى مجدلون وكفردان وبدنايل. ويعزو المزارعون السبب في انتشارها إلى تميز المنطقة بالعوامل التي تساعد هذه الزراعة على النجاح، من مناخ وتربة، فضلاً عن السبب الرئيسي، وهو كلمة السر ومفتاح النجاح بالنسبة لأي نوع من الزراعات: اهتمام التعاونيات باستلام الإنتاج بأسعار جيدة من المزارعين وتكفّلهم بتصريفها.
أحد المهندسين الزراعيين في البقاع أكد لـ«الأخبار» أن زراعة الكرمة التصنيعية الخاصة بإنتاج النبيذ تعتبر من الزراعات الناجحة والواعدة في المنطقة، وخاصة أن كل الظروف تلائم زراعتها، سواء لناحية المناخ والشمس البقاعية القوية أم لناحية التربة الخصبة التي تتمتع بها الشعاب والمنحدرات في دير الأحمر واليمونة وشليفا وعيناتا وبشوات، لافتاً إلى أن هذه الزراعة بدأت بالتوسع والانتشار بسرعة كبيرة بين المزارعين وفي عدد كبير من الأراضي البقاعية، لكونها «منتجة وذات مردود مادي جيد إذا ما قورنت بغيرها من الزراعات التقليدية» كما شرح.
وأضاف المهندس الزراعي أن المزارعين أقبلوا على زراعة الكرمة التصنيعية لتميزها في إنتاج النبيذ الفاخر، حيث إنها تتمتع بنسبة «حلاوة أكثر» كما وصفها، إذ إن كيلو العنب من هذا الصنف يعطي ثلاثة أرباع قنينة نبيذ، «الأمر الذي يدل على غنى حبات الكرمة وتميزها» كما قال، مشيراً إلى أن مزارعي الكرمة هم ضمن تعاونية «كوتو هيليوبوليس» التي تعنى بأمور الكرمة والتي تساعد بدورها المزارعين وتعمل على شراء محاصيلهم واستلامها وبيعها للخمارات»، كاشفاً عن خطوة مستقبلية ينوي المزارعون القيام بها في المنطقة عبر إنشاء خمارات لتصنيع النبيذ، ما يعزز قيام دورة اقتصادية كاملة، ويعود بالفائدة على المنطقة من ناحية تنموية وتجارية.
المزارع غسان جريج، بعد تعرفه على كروم الكرمة الخاصة بالنبيذ عند جيرانه وزملائه المزارعين، أقدم على زراعة عشرة دونمات من الكرمة في بلدته دير الأحمر إلى جانب شتول التبغ وصحرة المقتة، موضحاً أنه اشترى ثلاثة آلاف نصبة كرمة من شركة فرنسية بسعر ثلاثة دولارات للنصبة الواحدة، مشيراً إلى أن الدونم الواحد يحتاج إلى 300 نصبة مع مراعاة المسافة الواجب تركها بين نصبة وأخرى، وهي متران ونصف متر». وقد أبدى جريج إعجابه بهذه الزراعة واستحسانه لها بالمقارنة مع زراعة التبغ أو عنب المائدة، قائلاً: «إن العمل في كروم الكرمة التصنيعية لا يختلف عن عمل كروم العنب العادية لناحية التشحيل والحراثة والرش، لكن الاختلاف يبرز عند موسم القطاف. فكيلو عنب النبيذ تستلمه منا التعاونية بدولارين، وهي بدورها تسلمه للخمارات، بينما يلجأ مزارعو العنب إلى اقتلاع دواليهم بسبب الأسعار العالية وتحكم التجار بها»، مضيفاً «أما في زراعة التبغ فيتطلب الأمر مجهوداً جباراً على مدى ستة عشر شهراً وفي النهاية لا تجد مردوداً مادياً يعوض عنا ولو القليل من التعب الذي تعبناه خلال تلك الأشهر الطويلة».
المزارع علي شريف في اليمونة أكد بدوره أن نوعية الكرمة التصنيعية في البقاع الشمالي مميزة بشهادة المهندسين الزراعيين الذين يستلمون الموسم، فغالبيتهم «يشيدون بالنوعية المميزة في منطقتنا، بالنظر إلى غنى الأراضي التي نزرعها، وخاصة البكر منها» كما قال، مشيراً إلى أن عدداً من المهندسين الفرنسيين كشفوا على عدد كبير من أراضي المنطقة للوقوف على نوعية التربة ومدى ملاءمتها لزراعة الكرمة التصنيعية، وكانت النتيجة أن «أبدوا إعجابهم بها، طالبين زراعتها في الأراضي التي لا تزرع قمحاً أو شعيراً، والتي تصلح لزراعتها رغم أن خصوبتها متوسطة».
ولعل اللافت في زراعة الكرمة التصنيعية في البقاع الشمالي أن غالبية المزارعين تعرفوا عليها من خلال المهندسين الزراعيين أو شركات إنتاج النبيذ في البقاع الأوسط، في ظل غياب كامل لتدخل الدولة ودعمها.