عكار ــ روبير عبد اللهتبعد عكار العتيقة عن مركز قضاء عكار زهاء 25 كيلومتراً. تشير التسمية إلى قدم البلدة وتوغّلها في التاريخ، وهذا ما تثبته كثرة المعالم الأثرية من مغاور وقصور قديمة ومدافن محفورة في الصخور ومساجد تعود إلى أيام المماليك. ولعلّ «حصن عكار» أحد أهم المعالم الأثرية في تلك البلدة وأقدمها في لبنان والمنطقة قاطبة.
وصدفة زيارة الموقع حالت دون التمكن من مراجعة أساتذة ومثقفين من عكار العتيقة. وتكتمل مفاعيل الصدفة في زيارة عكار العتيقة نهاراً حيث من العسير أن تجد رجلاً لم يترك منزله للعمل في الحقل، فلا يبقى لك سوى طفل لم يتجاوز الثامنة. بقلة مبالاة تسأله عن الدرب التي توصل إلى حصن عكار، فيفاجئك بسرعة المبادرة، وبثقة يطلب منك اللحاق به. تكشف المصادفة مقدار ما يجسده حصن عكار في ذاكرة العكاريين الجماعية. وكيف يتوارث الأبناء الحكاية وحيثيات تخريب القلعة وتداخل القوى المتصارعة في مصيرها. فطفل الثامنة يخبر عن لسان جده أنها القلعة التي استوطنها آل سيفا ودمّرها الأمير فخر الدين، واصطف رجاله على طول الطريق الممتدة من عكار إلى دير القمر، لينقلوا حجارتها. ويكرر الولد الكلام المنسوب «للأمير» الذي طالما أثار حفيظة أبناء عكار:
«وحق طيبة وزمزم والنبي المختار ما بعمر الدير إلا من حجر عكار».
واليوم، وعلى الرغم من الإهمال اللاحق به، ما زال حصن عكار معلماً أثرياً بارزاً للعيان، إذ يرتفع البرج الباقي منه زهاء أربعة عشر متراً، وفي أعلاه صورة أسد محفورة في أحد حجارته. كما تنتشر إلى جانب البرج من الجهة الغربية مجموعة من القناطر لم تعد تظهر إلا الأقسام العالية منها، إضافة إلى الكثير من المدافن المحفورة في الصخور. كما يروى على لسان الكبار وجود ممرات سرية تحت الأرض، كانت برأيهم الوسيلة الوحيدة التي مكّنت الغزاة من احتلال القلعة، وذلك بعدما لوحظ في أثناء فترة حصارها حركة كلاب برية، كانت تختفي فجأة عند اقترابها من أماكن، اكتُشفت لاحقاً باعتبارها ممرات تفضي إلى داخل القلعة.
تجدر الإشارة إلى أن زيارة القلعة محفوفة بالخطر، فحجارتها غير ثابتة، والمكان مليء بالحيوانات والزواحف الخطرة. فمنذ تدميرها حتى اليوم لم تحظ تلك القلعة بأي اهتمام أو عملية ترميم حقيقية، وكأنما اللعنة ما زالت تطالها.