إيلي شلهوب


لإرسال رسالة الى المحرر، انقر هنا

لماذا لم تطلق تل أبيب بعد إحدى القنابل النووية الـ200 التي تملكها على طهران وتضع حداً لوجع الرأس الذي تسببه لها الجمهورية الإسلامية؟ سؤال افتراضي جوابه النظري يبدو بسيطاً: لأن إيران لم تصبح بعد، من وجهة نظر إسرائيل، تمثّل خطراً وجودياً حقيقياً وفورياً.
لهذا معنيان: إما أن التقديرات العبرية لا تزال تفيد بأن طهران لم تمتلك بعد السلاح الذري وأن هناك فرصة للحؤول دون ذلك بوسائل متعددة أقل جذرية، أو أنها وصلت إلى اقتناع بأنها قادرة على التعايش مع قنبلة نووية إيرانية. حتى الآن، يبدو أن القائلين بالفكرة الأولى هم الغالبون على الساحة العبرية، وإن كانوا يحذرون من «نفاد الوقت» ومن أن الجمهورية الإسلامية «عبرت» أو أنها «قاب قوسين من أن تعبر العتبة التكنولوجية» التي تؤهلها لتصنيع سلاح كهذا، علماً بأن الفكرة الثانية أميركية المنشأ، ظهرت في خلال الولاية الثانية لجورج بوش من بنات أفكار كبار المنظرين الاستراتيجيين الأميركيين، وما عرض المظلة النووية (التي تجمع العرب والإسرائيليين وتفترض تسوية سلمية) سوى استكمال لها.
سيخرج بلا شك من يؤكد، عن حق، أن السلاح النووي لم يُصنّع ليستخدم، بل وظيفته ردعية بالأساس، ومصدراً للنفوذ والسطوة. وهناك من سيتحدث عن اطمئنان إسرائيل لعدم استخدام السلاح النووي ضدها نظراً إلى تضمن خيار كهذا احتمال إبادة شعوب عربية وإسلامية صديقة، رغم «جنون ملالي» إيران وإعلانهم صراحة رغبتهم في «محو إسرائيل عن الخريطة». لكنها معادلة تسقط حكماً عندما يكون المعني مقتنعاً بأن وجوده يصبح مهدداً بأساسه بمجرد إلغاء الامتيازات التي يتمتع بها بحكم امتلاكه القنبلة الذرية (أي ما إن يحظى الآخر بها أيضاً)، فضلاً عن فقدانه للقدرة على توجيه الضربة الثانية خلافاً لخصمه. وهي حال الدولة العبرية (رغم امتلاكها الغواصات الألمانية التي أحضرت لهذه الغاية). في هذا الوضع، يصبح الخيار الشمشومي (عليّ وعلى أعدائي يا رب) خياراً واقعياً.
لا بد من التأكيد، مجدداً، أن الحديث عن الخيار النووي هذا ليس سوى تحليل افتراضي، دفعت باتجاهه مجموعة من الأسباب، في مقدّمها تأكيد أن قادة إسرائيل لم يصلوا بعد إلى اقتناع بانعدام الأفق رغم مأزقهم وتقلص الخيارات أمامهم، وإمعان «جبهة الممانعة» في تأكيد، منذ ما بعد عدوان تموز على لبنان، أن المواجهة المقبلة ستكون معركة أرماجيدون الموعودة (أي حرب نهاية العالم).
التطورات الإقليمية على مدى الأسابيع والأشهر الماضية تؤشر إلى أن الأمور على الجبهات كلها تسير في طريق مسدود، لا بد أن تنفجر في بؤرة ما، ما بعد أيلول المقبل، حسبما تفيد المهل الأميركية والإسرائيلية: محمود أحمدي نجاد باقٍ في السلطة، ومعه النهج التصادمي ورفض التسوية. بوادر إخفاق لإدارة أوباما في تحريك عملية السلام، هذا الملف الذي أرادته رافعة للضغط على طهران عبر عزلها عن العالم العربي وإفقادها أهم أوراقها الدعائية: فلسطين. الغزل الأميركي لسوريا معروف أنه يستهدف بالأساس فك «عناق الدب» الإيراني لها ووقف دعمها لحزب الله و«حماس»، والتقارب المستجد بين واشنطن ودمشق يبقى ممنوعاً من الصرف على الساحة الإقليمية قبل اختباره في ساحات الوغى. استمرار حال الجمود على المسار السوري بفعل الرفض الإسرائيلي المطلق لمبدأ التفاوض على الانسحاب من الجولان إشارة بالغة الدلالة. تركيبة الائتلاف الحكومي لنتنياهو والنزعة اليمينية للمجتمع الإسرائيلي لا شك في أنها تؤدي دوراً حاسماً في ما يجري، ولا إشارات إلى تعديل قريب في الخريطة السياسية العبرية.
التدريبات والمناورات العسكرية المتواصلة منذ عدوان تموز على سيناريوات لحرب جديدة مع لبنان، وعلى أهداف بعيدة المدى (محاكاة لضربة لإيران)، ومعها حركة الغواصات عبر قناة السويس، لا شك في أنها تؤدي دوراً مزدوجاً: ضغوط لإقناع الطرف الآخر بالامتثال للمطالب تحت وطأة المخاطرة بهجوم عسكري، والاستعداد لهجوم كهذا في حال الاضطرار إلى شنّه.
التوتر المتفاقم على الحدود الإسرائيلية مع لبنان، حيث الحركة السياسية الداخلية تتجه عكس المصلحة العبرية، لا يمكن قراءته إلا في هذا السياق. الغاية تنحصر في الضغط لإقفال هذه الجبهة (عبر اتفاق أو تسوية تسحب الذرائع من حزب الله) أو تسخينها لمعركة حتمية عندما تحين ساعة الصفر الإيرانية وهي تبدو وشيكة. وحتى هذا الوقت، يراهن الإسرائيليون على قدرة أوباما (والسعودية!) على تدجين سوريا، بعدما سقطت «حماس» من حساباتهم منذ عدوان غزة الذي أظهر أنها بالكاد قادرة على حماية نفسها.
خريف هذا العام يبدو ملبّداً بالغيوم السوداء، رغم حال الاطمئنان التي تسود أوساط حزب الله في لبنان. يفترضون أنهم نجحوا في ذاك التموز وما بعده في كيّ الوعي الإسرائيلي بطريقة لم يعد يجرؤ معه أي ضابط أو جندي عبري على لمس تراب الجنوب. يعتقدون أن إسرائيل أكثر جبناً من أن تخوض مواجهة جديدة، رغم مخاطرتها باندلاع حرب كهذه يوم نفّذت الاغتيالين الشهيرين في دمشق وطرطوس. الأمل في أن تكون تقديراتهم العسكرية أكثر دقة من حساباتهم الانتخابية.