صيدا ــ خالد الغربيتفتقد مدينة صيدا إلى المهرجانات الفنية والسياحية السنوية، على غرار تلك التي تقام في بيت الدين وبعلبك وصور وغيرها، على الرغم من احتضان المدينة مواقع أثرية وتاريخية هامة (القلعة البحرية، القلعة البرية، صيدا القديمة، معبد أشمون...) فضلاً عن أنها كانت السباقة، قبل نصف عقد تقريباً، إلى إطلاق فعاليات «مهرجانات الربيع في صيدا». وفيما اقتصر الأمر، في السنوات الأخيرة، على مبادرات فنية صغيرة بديلاً من المهرجانات السنوية المنتظمة، غابت كلّ النشاطات هذا العام، بما فيها العرس الجماعي الذي اعتادت المدينة إقامته. هذا الغياب عوّضه بعض الصيداويين بحضور لمهرجانات بيت الدين وصور وبعلبك. وكانت «منيحة» من زياد الرحباني بمثابة «فشة خلق» للشباب منهم، فحضروا حفلاته بكثافة.
لكن هذا التعويض لا يمنع الحسرة على «زمن جميل»، كما يسميه صاحب استديو التصوير في صيدا، نبيل المكاوي. يترحم الرجل الذي غزا الشيب رأسه على أيام كانت للحركة المهرجانية فيها، في منتصف الستينيات من القرن الماضي، نكهة خاصة حيث كانت تقام «مهرجانات الربيع» في صيدا. فيذكر أنها «كانت عبارة عن حفلات فنية للبنانيين وعرب تقام على مسرح عائم على مياه الشاطئ بالقرب من القلعة البحرية. وهو المسرح الذي وقفت عليه الفنانة صباح ذات يوم وغنت يامينا صيدا اشتقنالك».
بعد انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية، نهاية الثمانينيات من القرن الماضي، لم تشهد المدينة عودة إلى الحركة المهرجانية السنوية والمنتظمة. وذُكرت أسباب كثيرة في هذا المجال، أبرزها القول إن تنامي الأصولية الإسلامية في المدينة، وفي مخيم عين الحلوة، يقف حائلاً دون تنظيم مثل تلك المهرجانات أو حتى أية نشاطات تخالف تعاليم الدين الإسلامي.
على الرغم من ذلك لم تغب المظاهر الاحتفالية تماماً (راجع الإطار). وشاعت قبل سنوات ظاهرة «الليالي الرمضانية» بسحرها الخلاب داخل أحياء صيدا القديمة. وقبل نحو خمس سنوات أطلقت بلدية صيدا وتجار المدينة وجمعيات أهلية «مهرجانات صيدا» التي تضمنت حفلات فنية ومسرحيات وأعراساً جماعية ولياليَ تسوّقية، وأقيمت المسارح في الشوارع الرئيسية. وبدا من خلال الإقبال الذي شهدته المدينة أن أبناء صيدا متعطشون للمهرجانات. يقول المخرج الصيداوي خليل المتبولي «إن المهرجانات التي أقيمت قبل خمس سنوات مثّلت حدثاً هاماً، وهي حاولت استعادة مجد غابر افتقدته المدينة عقوداً ودلّت يومها على أن الصيداويين يحبون الحياة، لكن كما قال الراحل محمود درويش «إذا ما استطاعوا إليها سبيلاً». ويأسف المتبولي «لعدم تحويل تلك المهرجانات إلى مناسبة سنوية»، بينما يسأل أحد المهتمين عن سبب عدم تعميمها، وعن الأسباب التي تقف خلف هذا الغياب، «هل هي دينية فعلاً أم سياسية، أم أن المسؤولين في صيدا يديرون ظهورهم لهذا الأمر؟ بالتأكيد الحق ليس على الطليان»، يقول هذا المهتم.


مبادرات فردية

رغم غياب المهرجانات عن صيدا، بقيت المبادرات الخاصة من جمعيات ومؤسسات ثقافية واجتماعية، وحتى سياسية، تعوّض الأمر بإقامة حفلات أو «ميني مهرجانات». فعلى سبيل المثال غنى الفنان مرسيل خليفة (الصورة) في أيلول 1992 في ملعب الشهداء في المدينة. وفي سنوات لاحقة نظم مركز معروف سعد الثقافي حفلات للفنانة ماجدة الرومي، وللمايسترو سليم سحاب وعروضاً مسرحية لدريد لحام ونور الشريف ورفيق على أحمد وغيرهم. بينما كانت مؤسسة الحريري تقدّم بعض النشاطات الفنية في خان الإفرنج لموسيقيين عرب وأجانب، وتستضيف شعراء وأدباء.