حين ينوي الزواج، يبحث الشاب المغترب عن عروس لبنانية «ما بايس تمها غير إمها». أما ابن البلد، فيبحث دوماً عن الأجنبية التي ستكون جواز سفره إلى «أرض الأحلام»، متغاضياً عن كمية «بوساتها» السابقة. أتبرّر المصلحة ازدواجية المعايير؟ ألا يجب أن يعيد الشباب النظر بقيمهم؟
رنا حايك
في لبنان، يهاجر الشاب «لتأمين نفسه». إلا أن التأمين بالمعنى اللبناني قد يقتصر على حصوله على الجنسية الأجنبية. فهي تمنحه قيمة مضافة لدى الفتيات اللبنانيات وأهاليهن الذي يريدون لهن «السترة والتستت في بلاد برّه»، حيث الحياة أضمن وأسهل. أما بالنسبة إلى المغترب، فهو دائماً مأخوذ بـ«بنت البلد»، مهما «شرّق وغرّب» لأنها «عاقلة ومطيعة وما بتوجّع الراس»، إذ إنها خضعت لدورات تدريب مكثفة من «الترويض» في المجتمع الذكوري المحلي. سمير أحد هؤلاء، ورث عن والده في الولايات المتحدة مشروعاً ضخماً يعتاش من مدخوله. إلا أن الأوان قد آن ليتزوج ويؤمن استمرارية الذرية الكريمة التي لا تظل كريمة إذا ما هجّنت بعنصر خارجي. فخلال سنوات إقامته الطويلة في أميركا أقام علاقات مع أجنبيات «بعضهن كن ذوات صفات جيدة»، لكنها غير جيدة كفاية ليقترن بهن، كما يقول، مضيفاً «ما فيه متل بنت البلد». وما هي صفات بنت البلد؟ على هذا السؤال يجيب «طيبة وقنوعة ومطيعة وآدمية». وآدمية تعني بلغته أن تكون الفتاة عذراء، ليكون هو فاتح الفتوحات وصاحب الحق الحصري الأول والأخير على الكنز الثمين، أي الفتاة، التي علمتنا السينما المصرية أنها «زي عود الكبريت، ما بيتولّعش غير مرة واحدة».
تنشغل نساء عائلة سامر منذ بداية الصيف، الموسم الأهم لعقد الزيجات، بالبحث عن العروس. رأى العشرات منهن حتى اليوم، لكن يبدو أن آخرهن حظيت بأسهم عالية، فهي «حلوة ومحجبة وعاقلة ودارسة للبكالوريا يعني منيح ما بدنا أكتر، هيك فيها تصير تدرّس الولاد».
يبدو من وصفه وكأن بين يديه سيرة ذاتية يراجعها بتمعن لاختيار مرشحة ما لإحدى الوظائف.
في المقابل، يتهافت الشبان الذين يتوقون للهجرة بحثاً عن الرزق على أي أجنبية تزور لبنان، أو أي أجنبية، من بنات البلد الذي وصلوا إليه بفيزا تقترب صلاحيتها من الانتهاء، فهي حظهم الوحيد في ترتيب أمورهم وإقامتهم شرعياً هناك. هنا، تختفي جميع المعايير، وتصبح الأجنبية مرغوبة فلا يعود يعيبها حقها الذي مارسته بإقامة علاقات سابقة، كما أن استقلاليتها وقوتها لا تعودان مهددتين كما تكون في حالة بنت البلد، لأن الشباب هنا يمثّلون الطرف الأضعف ويحتاجون إلى قوتها للإحساس بالأمان. هنا، تلعب قيمة انسلاخ المرأة المرشحة عن المجتمع المحلي دور «العذر التخفيفي» في القانون، فيصبح هناك مجال للالتفات إلى مزاياها، وإلى طبائعها، كإنسانة لا كمرشحة لوظيفة ما. طبعاً، معظم هذه الزيجات البراغماتية تنتهي بالفشل، كما حصل مع أمين، الذي هاجر إلى ألمانيا بمساعدة «يوتا»، لكنه لم يلبث أن طلّقها بعد حصوله على الجنسية وعاد يبحث بين بنات بلده عن الحرم المصون التي اصطحبها معه لتعيش تحت جناحه، هناك، حيث تتفاقم سيطرته وسلطته بوصفه عارفاً بجميع أمور الأجانب، وهي المحظوظة التي اختارها ليمنحها فرصة العيش «مع الأجانب وببلادن».
إلا أن بعض هذه الزيجات تنجح بصدفة ما، ولا يبدو أن استقلالية الأجنبية تمثّل عائقاً في العلاقة الزوجية المتزنة، فلمَ لا يصح ذلك سوى إذا كانت أجنبية؟ هنا، تساعد مقارنة بسيطة على إخراج القضية من خانة اللغز ووضعها ضمن سياق أوسع يربط بين ازدواجية المعايير وعقدة الأجنبي: لماذا يعمل اللبناني على محطة بنزين في الخارج بينما يرفض مزاولة عمل كهذا في بلاده؟ ولماذا يمتنع عن رمي الأوساخ في شوارع كندا بينما يرميها في شارع الحمرا؟


الزواج «المرتّب» تتبعه فوضى

«قتل حالو تيتزوجها»، تقول ريما وهي تتحدث عن شقيقتها التي اقترنت بابن خالتها منذ سنوات. يومها، فرحت العائلة بالحب الذي نشأ بين علي المقيم في لبنان وابنة خالته لينا المقيمة في أستراليا. اطمأن أهله إلى أنه «حيلاقي مستقبله برا» واطمأن أهلها إلى أنها «تزوجت لبنانياً»، بينما تواطأ جميع من باركوا هذه العلاقة، ومن هيأوا الظروف لنشأتها، بالتغاضي عن بعض الأوراق الرسمية كالجنسية الأسترالية التي شابت ذلك الارتباط. اليوم، ما زال الزوجان معاً، هي تزوجت من لبناني، وهو ينفق على منزله من بدل البطالة الذي يتقاضاه من الدولة الأسترالية. يعيشان تحت سقف واحد، إلا أن لكل واحد منهما غرفة منفصلة في البيت الوادع، والطلاق يظل حلاً محرّماً ترفضه العائلة.