حسام كنفاني


لإرسال رسالة الى المحرر، انقر هنا

قد يكون من المبكر الحديث عن خلافة الرئيس محمود عبّاس الذي خرج بعد المؤتمر السادس لحركة «فتح» رئيساً ثلاثيَّ الأبعاد، بتولّيه رئاسة الحركة إضافة إلى السلطة ومنظمة التحرير الفلسطينية. لكنّ معطيات انتخابات القيادة الجديدة للحركة تفرض البحث في قضيّة الوراثة، التي يبدو أنّها تسير في اتجاه واحد حالياً، ونحو اسم واحد. فخلال أيام المؤتمر، وقبل «مفاجأة النتائج»، برز تنافس حاد بين محمد دحلان وأحمد قريع. الجميع كان يعلم أن الحماوة التي بلغت حد الشتائم المتبادلة كانت مكرّسة أساساً لحفظ مقعد أمامي في مسرحيّة «الخلافة». ومع الخسارة المدوّية لأحمد قريع (أبو العلاء)، وما يمثّله من قيادة تاريخية في «فتح»، إضافة إلى شغله حالياً منصب مفوّض التعبئة والتنظيم في «فتح»، يبدو أن دحلان أزال عقبة كبيرة من طريقه، ولا سيما أن «الرجل الثاني» الجديد في «فتح»، أحمد راتب غنيم (أبو ماهر)، في سن (72 عاماً) لا تسمح له بالتطلّع إلى الخلافة.
كذلك فإن باقي الموجودين في اللجنة المركزية، التي تمثّل الهيئة القيادية العليا لـ«فتح»، لا يمتلكون شبكة العلاقات الاستخبارية المعقّدة، كتلك التي يعرف عن دحلان الخوض فيها، والتي جمعته مع الاستخبارات الأميركية والإسرائيلية والمصريّة والأردنية، وحتى الإماراتيّة. دحلان، أو «أبو فادي» كما يحلو لأنصاره تسميته أسوة بـ«أبوات» الثورة الفلسطينية، يرى أنه عاد من مكان بعيد إلى واجهة الحدث الفلسطيني، بعدما خبا نجمه في أعقاب الهزيمة المذلّة في غزّة. عودة تثبت أن الرجل لا ينتهي بسهولة، ولا سيما أنه قبل «الحسم العسكري» في القطاع، عاش فترة في الظلّ إثر خروجه على الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات.
واليوم يبدو أن دحلان عينه على مقعد الزعامة. وهو إن كان قد أزاح من دربه مَن كانوا يمثّلون عقبة في طريقه، إلا أن هناك شخصيّة لا تزال العين عليها في الداخل الفلسطيني، وتأمل أن تكون هي صاحبة الدور القيادي في المستقبل البعيد أو القريب. الشخصيّة هي أمين سر حركة «فتح» في الضفة الغربية، الأسير مروان البرغوثي، الذي يمكن القول إنه «الوريث الشرعي» لنهج أبو عمار، إذا كان «الفتحاويون» لا يزالون حقاً متمسّكين بهذا النهج، الذي أطلقوه اسماً لمؤتمرهم السادس.
تاريخ مروان البرغوثي، من التفاوض إلى المقاومة، يظهر تشابهاً كبيراً في الأسلوب الذي كان يعتمده عرفات في تعاطيه مع إسرائيل، والذي عبّر عنه في خطابه أمام الأمم المتحدة في عام 1974، أي «البندقيّة وغصن الزيتون». والبرغوثي يعدّ من أكثر القيادات البراغماتية التي التقت بالإسرائيليين على مختلف ألوانهم السياسية، لكنه أول الذين أدركوا أن الإسرائيليين لا يريدون سلاماً جدّياً مع الشعب الفلسطيني. ومع بداية الانتفاضة الثانية عام 2000، كان دور البرغوثي أساسيّاً في إنشاء «كتائب شهداء الأقصى» التي تعدّ أهم حركة تصحيحية في «فتح» منذ اتفاق أوسلو ونهاية «العاصفة». ويروي كثيرون أن البرغوثي كان صلة الوصل المباشرة بين أبو عمار والكتائب، إلى حين اعتقاله في عام 2002، بعد فشل أكثر من محاولة لاغتياله خلال عدوان «السور الواقي».
بناءً على المزاوجة في التعاطي مع الاحتلال، التفاوض والمقاومة، فإن البرغوثي يمثّل نموذجاً مختلفاً عن «الفتحاويين الجدد» الذين أفرزتهم الانتخابات الأخيرة. وتتقاطع المعلومات على أن أسره والمدّ الشعبي الذي يحظى به داخل الأراضي الفلسطينية وخارجها، هما اللذان يعوقان إقصاءه عن الحركة بشكلها الحالي، الذي يريده أبو مازن ودحلان.
ورسالة البرغوثي (أبو القسّام) إلى مؤتمر «فتح» تؤشّر إلى حال النبذ التي ينتهجها من هم في الحركة حالياً، إذ إنها لم تُقرأ كاملة على مسامع المجتمعين. والاطلاع على مضمون الرسالة يعطي فكرة عن سبب المنع، فهي تضمّنت نقداً ذاتيّاً لاذعاً لحركة «فتح» وللفساد المستشري فيها ومسار انهيارها على مدى العشرين عاماً الماضية، إضافة إلى سلسلة مقترحات لسبل القيام بالحركة من جديد. مقترحات لم يؤخذ بأيّ منها في نهاية المؤتمر الماراتوني.
وقد لا يكون من المبالغ فيه القول إن البرغوثي اليوم هو ضحية مؤامرة ثنائيّة غير منسّقة بين «فتح» و«حماس» لإبقائه في أسره، بعيداً عن الساحة الحركية. فلا «حماس» ترى مصلحة في ظهور شخصيّة «فتحاويّة» ذات مدّ شعبي وكاريزما قيادية، وهي إن كانت قد أدرجته ضمن قائمة الأسرى الذين تطالب بهم لإطلاق جلعاد شاليط، إلا أنه سيبقى قابلاً للتفاوض في مقابل الأسرى «الحمساويين». ولا الموجودون في سدّة «فتح» يريدون ظهور شخصيّة تسحب البساط من تحتهم. فالسلطة، ومن ورائها «فتح»، لم تسعَ بقوة لإدراج البرغوثي في أيّ من قوائم «أسرى حسن النيّة» التي كان إيهود أولمرت يقدّمها لمحمود عبّاس.
ومن الواضح أن هناك من يعمل بجد لإبقاء هذا «الوريث الشرعي» بعيداً في سجنه، لتكون حركة «فتح» والسلطة الفلسطينية مرتعاً لدحلان وأمثاله.