Strong>فرّ أمس من سجن رومية موقوف متهم بالانتماء إلى تنظيم فتح الإسلام، فيما أوقفت القوى الأمنية سبعة آخرين حاولوا الفرار معه. قرر وزير الداخلية توقيف آمر السجن وضباط في خطوة لم تعهدها الجمهورية اللبنانية من قبل. جمعت «الأخبار» سيناريو الهروب من رومية، بينما بقيت بعض الجوانب ملتبسة بانتظار نتائج التحقيقحتى ساعة متأخرة من ليل أمس، كان البحث عن الموقوف الفارّ من سجن رومية طه أحمد حاجي سليمان لا يزال مستمراً.
الفرار حدث بين الخامسة والسادسة فجراً، والفارّ سوري الجنسية متّهم بالانتماء إلى تنظيم فتح الإسلام. وكان يشارك مع سبعة زملاء له في عملية الفرار، إلّا أنّ القوى الأمنية تمكّنت من توقيفهم.
وعلمت «الأخبار» من خلال جمع معلومات من عدد من كبار ضباط السجن أن عملية الفرار جرت بحسب الوقائع الآتية:
1ـــــ عملت مجموعة من الموقوفين في قضايا إرهاب على توزيع أدوار بين أعضائها لتحضير عملية الفرار: فكلّف البعض بتهريب لوازم نشر القضبان الحديدية، بينما طلب من آخرين تحويل البطانيات والشراشف الى حبال تسلّق وربط في طرفها قطعة حديدية تساعد على ربط الحبال بالجدار المحيط بالسجن. وكلف بعض أعضاء المجموعة مراقبة تحركات الحرس.
2ـــــ انتقل أعضاء المجموعة بعد انتهائهم من نشر القضبان الحديدية من نافذة احدى الغرف الى باحة بالقرب من المبنى «د» غير مستخدمة. ويرجّح أن يكون الفارون قد بدأوا بنشر القضبان قبل أكثر من ثلاثة أيام.
3ـــــ بما أن الباحة غير مستخدمة، فليس فيها حراسة. استعان اعضاء المجموعة ببرميلين بلاستيكيين ليتسلقوا مبنى جانبي ومنه رمى احدهم الحبل الى أعلى الجدار. وبفضل القطعة الحديدية التي كانت قد ربطت على احد اطراف الحبل، تمكن طه احمد سليمان من تسلّق الجدار.
4ـــــ سحب سليمان الحبال بعد وصوله الى قمة الجدار وأعاد امدادها بحيث تكون ثابتة لحمل الآخرين، كما مدّ حبلاً آخر الى الجهة الخارجية.
5ـــــ احد الحراس في غرفة «المراقب العام» الموجودة في الطبقة الارضية شاهد بالصدفة شباباً في الباحة، فاستغرب الأمر وخرج بسرعة، وإذا به يشاهد بعض اعضاء المجموعة يستعدون لتسلّق الجدار. يصرخ منبّهاً الحراس الآخرين.
6ـــــ يتراجع سبعة من أعضاء المجموعة، بينما يقرّر سليمان الاستمرار بالعملية لأنه كان في أعلى الجدار فينزل بسرعة بالحبل الى الجانب الخارجي من الجدار.
7ـــــ بعدما نزل عن الحائط، استفاد سليمان من وجود أنبوب مجارير يمتد من المبنى إلى الوادي، فزحف ملامساً له حتى أسفل الوادي، حيث يمكن أن يختفي عن الأنظار، ثم فرّ إلى جهة مجهولة.
كثّف الجيش والقوى الأمنية خلال يوم أمس عمليات البحث عنه، وقد استُخدمت للغاية طائرات استطلاع وهليكوبتر، وضُرب طوق حول المكان، وعمّمت قيادة الجيش عبر موقعها الالكتروني صورة للموقوف الفار.
طلب بارود من المديرية العامة لقوى الأمن المباشرة فوراً بفصل كل الضباط العاملين حالياً في كل السجون

المعلومات الأولية أشارت إلى أن العملية مخطط لها سلفاً ومنذ فترة زمنية لم تحدّد تماماً

الفار خاضع لتدريبات عسكرية، وهو زحف ملامساً أنبوب مجارير يمتد حتى أسفل الوادي

السجناء ربّما استغلّوا عدم إجراء رجال الأمن كشفاً على غرفهم دوريّا
وطلب قاضي التحقيق العسكري المناوب القاضي مارون زخور من قائد الدرك العميد أنطوان شكور إجراء التحقيقات في قضية الفرار بعدما أحال مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر القضية عليه. كما كُلّف مساعد قائد منطقة جبل لبنان في قوى الامن العميد جورج سلامة التحقيق في هذه القضية، وقد بدأ أمس استجواب الموقوفين السبعة الذين حاولوا الفرار. وبموازاة ذلك كلّف وزير الداخلية والبلديات المحامي زياد بارود المفتشية العامة لقوى الامن الداخلي اجراء تحقيق مسلكي.
ووزّع مكتب بارود على الاعلام تقريراً كان قد رفعه الى مجلس الوزراء، منبهاً الى اوضاع السجون السيئة وطالباً اتخاذ اجراءات فورية من دون أن يستجيب المجلس لطلبه.
وبعد اطلاع بارود على التقرير الاولي للمفتشية حول قضية الفرار، أصدر قراراً بتوقيف آمر سجن مبنى الموقوفين في السجن المركزي، وضابط الدوام في سرية السجون المركزية، والمراقبين العامين كافةً في مبنى سجن الموقوفين، وحرس الطبقة الثالثة في مبنى سجن الموقوفين، وذلك لحين استكمال التحقيق الذي تتولّاه المفتشية العامة لقوى الأمن الداخلي، وترتيب المسؤوليات والعقوبات في ضوء نتائج التحقيق المذكور.
وطلب بارود من المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي المباشرة فوراً بفصل كل الضباط العاملين حالياً في كل السجون، على أن يجري هذا الفصل في مهلة 15 يوماً على الأكثر من تاريخه.
يبلغ عدد هؤلاء نحو 60 ضابطاً و300 عنصر، وفي هذا الصدد علمت «الأخبار» أن مجلس قيادة قوى الأمن سيعمل على إصدار تشكيلات جديدة واختيار ضباط يتمتعون بحسٍّ عالٍ من المسؤولية وبكفاءة، ويعملون وفق المعايير المهنية العالمية في إدارة السجون.
كذلك طلب بارود إلى قيادة وحدتي الدرك وشرطة بيروت في قوى الأمن الداخلي كلّ في ما يخصّه، إجراء مسح شامل على كل السجون، واتخاذ التدابير الأمنية اللازمة فوراً، وتعزيزها لتأمين حمايتها من الداخل والخارج. وقد زار وزير الداخلية السجن بعد ظهر أمس، وتابع عملية البحث عن السجين الفار.
وكان الوزير بارود قد تفقد عصر أمس، السجن المركزي في رومية، واطلع على التطورات، فتوجه الى الأحراج المحيطة بالسجن، المقابلة لأوتوستراد المتن السريع، حيث يجري البحث عن السجين الفار، كما رافقه المدير العام لقوى الأمن الداخلي، اللواء أشرف ريفي، وقائد الدرك، العميد انطوان شكور، وعقد بارود مؤتمراً صحافياً في نهاية الجولة، أعلن فيه حصول تعقب جدي للسجين الفار، من دون ان ينفي ان تقدم الوقت قد يسهم في ابتعاده عن المحيط. ولفت بارود، في معرض شرحه عن وضع السجون عامةً إلى أن السجن المركزي كان نموذجياً عندما شيّد، أما اليوم فيحتاج الى إعطائه الأولوية. وأعلن بارود أن مجلس الانماء والاعمار في صدد تلزيم المبنى الجديد في سجن رومية في أواسط أيلول المقبل، مذكراً بأن موضوع السجون ليس مسألة بناء جديد، بل يجب أن يشمل تأمين كل ما يلزم لقوى الامن الداخلي.

الهروب لم يكن مفاجئاً؟

هروب طه أحمد حاجي سليمان مثّل الحدث الذي طغى على التداولات والكلام السياسي في لبنان أمس، رغم ذلك فإن مسؤولاً في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي أكد لـ«الأخبار» أن «هذا الهروب لم يكن مفاجئاً»، كما أكد المسؤول أن «فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي كان قد لفت إلى اشتباهه بوجود أشخاص في المبنى «د» ينشرون قضبان الحديد، وأضاف إن قيادة الجيش كانت قد أبلغت قبل أسبوع قوى الأمن بـ«احتمال حصول فرار من السجن».
هذا الكلام نفاه ضابط مسؤول في قوى الأمن الداخلي، وقال إن معلومات وصلت من مديرية الاستخبارات في الجيش عن الاشتباه بإجراء أشخاص في مبنى ذوي الخصوصيات الأمنية اتصالات من داخل المبنى، ولكن هذه المعلومات أُرسلت إلى المديرية لا إلى ضباط فرديين، وتوبعت لدى فرع المعلومات. ونفى الضابط المسؤول قطعاً أن يكون فرع المعلومات أو أي ضابط فيه قد نبّه قيادة الدرك إلى مسألة نشر الحديد. وقال إن الفارّ خضع سابقاً لتدريبات عسكرية، ما مكنه من الفرار. وأعلن «أنا على يقين بأن المشاركين في العملية كانوا يخطّطون لفرار جماعي».

ذوو خصوصية امنية؟

يسجن في رومية نحو 300 موقوف يعتبرون من ذوي خصوصية أمنية وهم موقوفون في قضايا ارهاب ولانتمائهم الى تنظيمي «القاعدة» وفتح الاسلام المتشددين اسلامياً. وفي المبنى «ب» خصصت الطبقة الثالثة لذوي الخصوصية الامنية، الا ان بعضهم وزّع على مبان أخرى ومن هؤلاء المجموعة التي حاولت الفرار والتي كان اعضاؤها من نزلاء المبنى «د». يذكر أن قانون تنظيم السجون لا يحدد منهجية لتوزيع السجناء على الغرف بحسب خصوصياتهم الجنائية والشخصية. السجناء كانوا اذاً قد قضوا معاً فترة زمنية طويلة، وألفوا تكتلاً، ما سمح لهم بالتخطيط للعملية على ما يبدو، علماً بأنهم يرفضون الاعتراف بأنهم معتقلون جنائيون، بل يصرّون على أنهم معتقلون سياسيون أو «أسرى حرب».
وقد وردت معلومات عن حصول تدخّلات من مسؤولين سياسيين وأمنيين ومن رجال دين لدى إدارة السجن ولدى المديرية العامة لقوى الامن، بهدف تحسين ظروف عيش هؤلاء الموقوفين. وعلمت «الأخبار» أن قراراً بتفتيش رجال الدين قبل دخولهم الى مباني السجن قد الغي بطلب من المديرية العامة لقوى الامن بعدما تعرّضت لضغط من مرجع ديني.

المعلومات الاولية

رجّحت المعلومات الأولية أن يكون السجناء قد استغلّوا عدم إجراء رجال الأمن كشفاً على غرفهم دورياً، وأنهم استفادوا من غياب المراقبة في أبراج المراقبة المحيطة بالسجن أو ضعفها، وذلك بسبب نقص في عدد العناصر المكلّفين حراسة السجون.
وعلمت «الأخبار» أن موقوفَين بتهمة ارتكاب جريمة عين علق كانا من بين من حاولوا الهروب، قبل أن يوقفا مع خمسة آخرين. أما الموقوف الفار، فهو الأقصر حجماً بين زملائه، والأقل وزناً، ويبدو أن المشتركين في العملية وضعوا خطة تأخذ بعين الاعتبار هذه المواصفات. وتشير بعض المعلومات إلى أن هروب سليمان قد يكون بهدف إيصال رسالة ما، وخصوصاً أن الزيارات التي كانوا يتلقّونها كانت تراقبها القوى الأمنية.
ويفيد مسؤول أمني أن الموقوفين من ذوي الحساسية الأمنية شهدت علاقتهم بالسجناء الآخرين توتّراً بالغاً، في فترات متعاقبة. أكثر من ذلك، فإن أولئك الموقوفين، اتهموا الضباط الذين ينتمون إلى طوائف غير طوائفهم الدينية، بالعمل ضدّهم، وبمنح السجناء الآخرين صلاحيات أعلى.

تشكيك مبرّر؟

متابعون لأوضاع السجن «شكّكوا في الرواية الرسمية عن عملية الهروب، تلك التي تقول إن الموقوفين استعانوا بشراشف وحمل بعضهم بعضاً كل واحد على كتف الآخر»، وقالوا إن الرواية أشبه بعرض «أكروباسي» من عروض السيرك. قدّم هؤلاء المتابعون روايتهم الخاصة، معتبرين أن عملية الفرار حلقة من مسلسل طال إعداده، ويذكّر المتابعون بقضية أثارها «موقوفو فتح الإسلام ضد آمر السجن السابق، مدّعين أنه أساء إلى أحد الأديان، فتدخلت مراجع دينية عليا لفرض آمر جديد». يغمز المتابعون من هذه القناة للقول إن ثمة تيارات سياسية ضغطت من أجل تحقيق مطلب موقوفي فتح الإسلام، ويضيفون إن هؤلاء يتمتّعون بمعاملة خاصة جداً، وهنا تجدر الإشارة إلى أن النيابة العامة التمييزية سمحت بإدخال كمبيوترات إلى هؤلاء الموقوفين، ما عُدّ تمييزاً لهم على حساب الموقوفين والسجناء الآخرين.

وماذا عن السجناء الآخرين؟

ساعات الصباح الأولى حملت أخبار الموقوف الفار، لكن ذلك لم يُثنِ أهالي سجناء عن محاولة زيارة أولادهم، كما كل يوم، حمل بعضهم «الزوّادة» وغالونات المياه، ووقفوا ينتظرون السماح لهم بالدخول إلى حرم السجن. طالت فترة الانتظار، علا صراخ البعض، أمهات وآباء لم يعرفوا كيف وبمن يُفرغون غضبهم، فراحوا يصرخون في وجه أي كان. عشرات الأهالي، بل أكثر، احتشدوا عند بوابة السجن، فصلهم عنه رجال الأمن والجيش، ضاق بهم المكان، تزاحموا في فسحة واحدة واختلطت أصواتهم بعضها ببعض، ولم يُسمح لهم بالدخول حتى الساعة الـ12،00 ظهراً، فجأةً تحوّل «الاكتظاظ» إلى فراغ. أما في الطريق المؤدية إلى السجن، فأُقيمت حواجز، وشوهد رجال أمن على الخيول لأول مرّة بحثاً عن السجين الفار.
(الأخبار)


طه أحمد حاجي سليمان... بطاقة تعريفكانت اللجنة الأمنية في مخيم البداوي قد أوقفت سليمان ليل 23 تشرين الثاني 2006، في مخيم البداوي، بعد اشتباك وقع بين أفراد اللجنة من جهة، ومجموعة من المسلحين الذين كانوا في ذلك الحين مجهولي الانتماء. وسلمت اللجنة سليمان وموقوفاً آخر إلى مديرية استخبارات الجيش اللبناني. وأدى هذا الاشتباك إلى انتقال عدد كبير من المسلحين الفلسطينيين واللبنانيين والعرب إلى مخيم نهر البارد، حيث أعلنوا تأسيس تنظيم «فتح الإسلام» بقيادة شاكر العبسي، بعد الاشتباك بأيام.


تقرير وزير الداخلية الى مجلس الوزراء قبل 7 شهور: أُعذر من أنذروحذّر الوزير في تقريره من أن عدم اتخاذ التدابير الفورية وعدم الإيحاء بجدية التعاطي مع الموضوع وإعطائه الأولوية، قد تؤدّي إلى تكرار أعمال الشغب التي قد لا تتمكّن القوى الأمنية من تجنّب سقوط ضحايا بنتيجتها، وأن الدرجة العالية من المسؤولية التي واكبت تطويق الشغب في سجن القبة، والآلية التفاوضية التي اعتُمدت قد لا تكونان متوافرتين في حوادث أخرى، وأن أي خلل أمني في السجون سينعكس سلباً على خارجها. هكذا حذّر وزير الداخلية مجلس الوزراء منذ سبعة شهور، وهكذا فرّ المتهم بالانتماء إلى تنظيم فتح الإسلام الأصولي.