ماذا يعني مصطلح «الويك أند»؟ بالتأكيد ليس المقصود السؤال عن الترجمة العربية للمصطلح الإنكليزي، بل عن معنى العبارة في قاموس العائلات اللبنانيّة التي تعيش حياتها «أعطنا قوتنا كفاف يومنا». لهذا المصطلح معنى واحد عند هؤلاء: الدفع ثم الدفع ثم الدفع
راجانا حميّة
فعل الغلاء المعيشي فعله في حياة حسين الحموي. لم يعد رب البيت قادراً على «استيعاب» تكاليف عيش تزداد ارتفاعاً يوماً بعد يوم. وما يزيد من سوء الوضع هو فصل الصيف وما يستتبعه من «ضهرات» ترتبط بميزان «المدفوعات» في حياة عائلات كثيرة محكومة بالفقر والتقشف والتقنين، كما هي حال الحموي. ولئن كان من الصعب تغيير مؤشر الأسعار في لبنان، وخصوصاً في ظل «العرف» السائد بغياب الرقابة، بأن «اللي بيطلع بضل على طلعته»، اتخذ الحموي قراراً يقضي بإلغاء بعض أيام العطل، لا سيما «الآحادات». وقد جاء هذا القرار، بعد حسابات أجراها الحموي لميزانية الشهر العامة، بينت له أنه مقابل كل «ويك أند ترفيه، علينا خصم 2 ويك أند». أي أنه على العائلة أن تكتفي «بويك أند ونص في الشهر، حتى ما نوصل آخر الشهر نحن والمعاش راس براس». لم يكن رب البيت ليلجأ لقراره «التقشفي»، لو أن «كزدورة» السبت الماضي لم تكلفه «اللي فوقي واللي تحتي». كيف؟ يقول: «دفعت 90 ألف ليرة حتى من دون شبرأة». ويفصل: «33 ألفاً ثمن تنكة بنزين للسيارة، شوية معجنات ومناقيش للعيلة، وغداء بمطعم لخمسة أشخاص». ولأن «الماديّة قصرت» بسبب الرحلة الأخيرة إلى الجنوب، أعلم الحموي زوجته وبناته الثلاث بعدم تمكنه من تغطية نفقات السباحة لأحدين متتالين، وخصوصاً أن «دخولية الفرد الواحد لا تنخفض عن 10 آلاف ليرة، أي أننا سنتكلف مجرد دخولية خمسين ألف ليرة: لا أكلنا ولا شربنا».
إجراءات الحموي تصبح عامة أكثر فأكثر. فعائلات كثيرة اضطرت في ظل هذا «الفحش» في الأسعار الذي أزداد في رمضان، إلى اتخاذ موقف سلبي من الويك أند ومن الصيف نفسه. لكن، ما يختلف بين هؤلاء هو كلفة أيام التعطيل. عبد عسيلي مثلاً، تختلف كلفة يوم العطلة بحسب طبيعة المشوار وقيمة الميزانية، على أنها لا تنخفض في أسوأ الأحوال عن 50 ألف ليرة. يميز عسيلي بين نوعين من «الضهرات».. «ضهرة محرزة وضهرة على قد الحال». ويعطي مثالاً على التكلفة في كلتا الحالتين، ففي الأولى مثلاً «أخذت عائلتي إلى حديقة الحيوانات، دفعنا دخولية 25 ألفاً، وفي الداخل 10 آلاف ليرة ثمن 4 أكواب عصير ومن ثم إلى أحد المطاعم حيث دفعنا ما لا يقل عن 60 ألفاً، ويضاف إلى هذا 20 ألف ليرة ثمن بنزين للسيارة». أما في الحالة الثانية، في الأيام «التي يكون دخلي فيها محدوداً، فقد آخذ أطفالي في كزدورة بوظة فقط لا تتعدى كلفتها العشرين ألفاً».
لن تفعل خاتون فعلة عسيلي، فهذه الأخيرة تضطر إلى تحديد عدد النزهات، بحيث لا تتعدى المرتين في الأسبوع. وتراوح كلفة الضهرة الواحدة بين «100 ألف و100 دولار ما بين سينما ومدينة ألعاب وبوظة وأكل». وعلى الرغم من أنّها «كسرة» لعائلة لا تقتصر مصاريفها على النزهات في وجود اهتمامات أخرى، إلا أن «الأطفال يحتاجون إلى الترفيه». أما الأيام الباقية؟ فتوزعها خاتون ما بين «منزلي ومنزل أهلي وصديقاتي اللواتي يملكن أطفالاً».
أما غادة حلاوي، والدة الأطفال الثلاثة، فلها أولويات أخرى. إذ أدت اختياراتها «الدقيقة» لأماكن لهو أطفالها، إلى انهيار ميزان مدفوعاتها، بحيث تضطر إلى دفع «اللي فوقي واللي تحتي» لضمان سلامة أطفالها في الأماكن التي تقصدها. لا تقبل غادة مثلاً «بأيّة مدينة ملاه» إذا كانت هي المكان المقصود، إذ تنتقي مدينة «مسكرة». أما بالنسبة إلى الكلفة؟ فحديث آخر، فـ«الدعسة» هناك «بـ26 ألف ليرة ثمن كارت تشريج الألعاب التي تبلغ تكلفة الواحدة منها 2500 ليرة». لكن، ماذا ستفعل 26 ألفاً لثلاثة أطفال؟ «بالتأكيد لن تكون كافية»، تقول حلاوي التي تضطر لإعادة تعبئة البطاقة بستة وعشرين أخرى. 52 ألفاً من دون «الأكل طبعاً الذي تبلغ كلفته 35 ألفاً إذا ما نوعنا السفرة، يكفي سعر صحن البطاطا بـ9 آلاف ليرة! ومن بعدها البوظة.. ومواصلات».
100 ألف ليرة «برياحة». كل هذا، لأن حلاوي لا تجد مكاناً آخر عاماً مخصصاً للرحلات العائلية. ففي المدينة الكبيرة، ليس هناك سوى بضع حدائق عامة، وحتى هذه الحدائق لا تستوفي شروط السلامة العامة. لم تجد حلاوي يوماً جواباً لسؤالها عن الأماكن التي يمكن أن نأخذ أطفالنا إليها. في الحدائق العامة؟ «كل ما طلع إبني على صخرة قلبي بيروح، وأكثر من ذلك لا يمكن أن يبقى أطفالي ساعتين مرتّبين». أما في الحدائق «الجيّدة نوعاً ما كالصنائع والسيوفي مثلاً»، فدوامها لا يسعف المتنزّهين، بحيث تقفل عند السادسة عصراً، وهو «الدوام الذي يحبذه الأهالي للهو أطفالهم بعيداً عن شمس الظهيرة». لا يمكن حلاوي أن تفهم «سياسة الترفيه» في لبنان، فإما حدائق لا تراعي السلامة العامة... أو منارة وروشة، وإما نواد فخمة «يتطلب الانضمام إليها أن نكون من الأعضاء المؤسسين، وبالتالي من أصحاب الدولارات، بحيث تبلغ تكلفة الاشتراك فيها حوالى 6 آلاف دولار».
لكل هذه الأسباب، لجأت حلاوي إلى سياسة «حصر النفقات والتقنين». وبعد جردة حسابية قاسية، وجدت الوالدة راحتها في إرسال أطفالها إلى أحد المخيمات الصيفية بكلفة «500 دولار». ولئن كانت تشعر في لحظات معينة بتأنيب الضمير عندما ترى التعب في عيون أطفالها، إلا أنها تعزّي النفس «بتكلفة المخيم مقارنة بما كنا سندفعه، إضافة إلى أنهم يتعلمون الكثير من النشاطات مثل الموسيقى والسباحة في مكان آمن».
لكن، ماذا سيفعل من لا يقدر على أي شيء من هذا؟ بالتأكيد إنه سيطالب، كما فعلت مجموعة من «الفقراء» في الجزائر، بإلغاء العطل، سواء كانت مجرد «ويك أند» أو حتى الصيف بكامله.


دوام رمضاني

بين 90 ألفاً و100 ألف ليرة كلفة «الضهرة» لأسرة من 5 أشخاص لديها سيارة. الحد الأدنى للأجور 550 ألف ليرة. ما يدفع بالناس أكثر فأكثر إلى كل ما هو مجاني، بما فيها المخيمات الصيفية ذات الانتماء الحزبي أو الطائفي مباشرة، أو غير مباشر. أما الحدائق العامة، فلا يتجاوز عددها 30 من صغيرة إلى كبيرة في مدينة مثل بيروت. وفي الصيف تقفل هذه الحدائق الثامنة مساءً، إلا أن حلول رمضان، شوش هذا الموعد حسب مصدر في بلدية بيروت، من دون أن يفهم إذا كانت البلدية قد حددت موعداً رمضانياً للإقفال أم أنها تركت الأمور «للتساهيل».