بعدما عرض المهندس والخبير النفطي العراقي منير الجلبي، في الجزء الأول من مقاله يوم أمس، واقع القطاع النفطي العراقي في خلال ولاية الوزير حسين الشهرستاني، وخصوصاً بعد الجولة الأولى من التراخيص لتطوير حقول نفط وغاز العراق، يقدّم في الجزء الثاني مجموعة من الاستنتاجات
منير الجلبي *
1 ــ إنّ الاتفاقات التي تمّ اعتمادها في إطار العقود النفطية، لا تتفق مع القوانين القائمة والتشريعات المعمول بها، ولا سيما قانون «المحافظة على الموارد الهيدروكاربونية» رقم 84 لعام 1985، كما إنّه لم يُعرض على المجلس الاستشاري فى وزارة النفط، أو حصل على موافقة البرلمان الاتحادي.
2 ــ برامج العمل التي يتعيّن الاضطلاع بها من قبل الشركات العالمية خلال السنوات الثلاث الأولى من عقد يدوم 20 عاماً، هي البرامج نفسها التي يجري العمل بها حالياً والتي تقوم بها شركة نفط الجنوب وشركة نفط الشمال العراقية التي سبق لوزارة النفط أن أنفقت عليها 8 مليارات دولار. بالإضافة إلى ذلك، فإن برنامج عمل شركة نفط الجنوب وشركة نفط الشمال هما أفضل مما هو مطلوب في اتفاقيات TSCS، سواء من حيث تاريخ البدء أو تحقيق زيادة في الإنتاج لأكثر من 10 في المئة، إذ لن تكون هناك زيادة في الإنتاج لأول 33 شهراً بعد التوقيع على الاتفاق، على النحو المحدّد في الاتفاق مع الشركات الدولية.
3 ــ إن أفضل خيار لوزارة النفط هو مراجعة الشروط الواردة في الاتفاقيات TSCS لبعض الحقول في الجولة الأولى من المناقصات مع الشركات الدولية IOCS من أجل الوصول إلى مستويات الإنتاج المطلوبة، وفقاً للاتفاقيات التنافسية ولحد أقصى فترة بين سنتين إلى خمس سنوات قابلة للتجديد في المجالات التي تؤدي إلى نتائج أكثر سرعة وسهولة من دون أن تسبب أي ضرر اقتصادي.
4 ــ لقد حان الوقت لخبراء النفط والمحللين الدوليين والعراقيين الذين هم ضد خصخصة النفط والغاز العراقي للاعتراف بأن المسائل المتعلقة بمستقبل العراق واستقلاله الاقتصادي لا ينبغي أن تركز على التفكير الأحادي الجانب، ما دامت هذه العقود ليست من عقود المشاركة في الإنتاج PSC، فإنها ستكون خطوة إلى الأمام بالنسبة إلى العراق، أو في أقل تقدير أنه لن ينتج ضرر منها.
وفي الواقع، فإن الاتفاق الموقع مع شركة «شل» حول غاز الجنوب أعطى شركة «شل» السيطرة الكاملة على ثروة الغاز في جنوب البلاد لمدة 25 عاماً، وعواقبه سوف تكون وخيمة بالنسبة إلى مستقبل الاقتصاد العراقي واستقلاله السياسي كما هي الحال في اتفاقيات المشاركة في الإنتاج PSC، وإن لم تكن أسوأ (1).
5 ــ إن ما يُسمى برنامج العقود التي وقعت أو ستوقع مع شركات النفط الدولية IOCS سوف يتيح للشركات الدولية السيطرة على 80 فى المئة من حقول النفط العراقية المنتجة ولمدة 20 عاماً، وذلك من خلال سيطرتها على «مؤسسات التشغيل الحقلي» FOD’s . لم يطّلع أحد حتى الآن على الشروط المالية السرية أو تفاصيل أخرى كثيرة في العقود، وهو ما يشير إلى أن هناك نقصاً في الشفافية من قبل الوزارة. يمكن هذه العقود أن تكون ذات ضرر كبير لمستقبل صناعة البترول الوطنية كما حصل في اتفاق الغاز مع شركة «شل». وإضافة إلى ذلك، فإن كل المؤشرات الواردة من العاملين على أرض الواقع تؤكد أن هذه العقود سوف تؤدي إلى تناقص في أحجام شركة نفط الجنوب وشركة نفط الشمال، إن لم تؤدِّ إلى اضمحلالها التام، وسوف تواجه شركة النفط الوطنية العراقية نفس هذه المشكلة.
6 ــ لا أحد حتى الآن قد اطلع على أي مبرر من وزارة النفط للأسباب التي أدت إلى إلغائها برنامج العقود لعامين، وهي التي دعمها كل من الإدارة والموظفين التقنيين والعاملين في الاتحاد (IFOU) على أرض الواقع. ولو كان قد تم توقيع هذه العقود في حزيران/ يونيو 2008، فإن الشركات ستكون قد بدأت في العمل الآن.
لم يكن قرار الوزارة إلغاء مخطط العقود سليماً، وهذا الخطأ أدى إلى معاناة الصناعة والاقتصاد على حد سواء. إنّ عقود السنتين القصيرة الأجل لم تكن لتكلف أكثر من 3.0 بلايين دولار، وأدّت إلى زياد الانتاج في أقل من سنتين بمقدار 0.5 مليون برميل يومياً ولرفعه الانتاج الحالي من 2.5 إلى 3.0 ملايين برميل يومياً، وكان هذا سيؤدي إلى تحسن القدرة الانتاجية لشركة نفط الشمال وشركة نفط الجنوب في المستقبل ما كان سيؤدي إلى إنتاج المزيد من النفط ومن دون أن يعرض مستقبل شركة النفط الوطنية العراقية للأضرار.
7 ــ إنّ فشل وزارة النفط في النجاح في 7 من المناقصات الـ 8 التي كانت مطروحة في جولة التراخيص الأولى قد أوجد مستقبلاً أكثر أملاً لإبقاء شركة نفط الشمال، وشركة نفط الجنوب وشركة النفط الوطنية العراقية. فإذا أقدمت وزارة النفط على سحب الحقول السبعة للنفط والغاز من أية عطاءات في المستقبل، وأعادتها إلى شركة نفط الشمال وشركة نفط الجنوب لتطويرها، فإن مثل هذه الخطوة ستساعد هاتين الشركتين الوطنيتين على النمو، وكذلك ستدعم شركة النفط الوطنية حيث ستعطيها فرصة أفضل للتطور الحقيقي عندما تتم إعادة إنشائها.
8 ــ إن هذه الدراسة لن تشمل جولة التراخيص الثانية التي أعلنت في 31 تشرين الثاني 2009 حيث هذه الجولة تختلف نوعياً عن الأولى، ما سيتطلب تحليلاً منفصلاً. إنّ الجولة الثانية تشمل تنفيذ التنمية الكاملة لعشرة حقول نفطية مكتشفة ولكن لم يتم تطويرها بشكل تام، وتتوزع هذه الحقول على نطاق واسع في جميع أنحاء البلاد، والتي تشمل حقل مجنون، غرب القرنة المرحلة 2، حلفايا، بدرة، شرق بغداد، حقول نفط وسط الفرات (الكفل، غرب الكفل والمرجان)، وحقول النفط في محافظة ديالى (القمر، كلبات، نيدومان، خشم الأحمر)، والنجمة والكيارة في الشمال. ومن المقرر أن تمنح عقود التراخيص للجولة الثانية بحلول نهاية هذا العام.
9 ــ لقد أصبح من الواضح أن مشروع قانون النفط والغاز لن يصبح قانوناً خلال عمر هذا البرلمان. إنّ الصراعات الداخلية العراقية، التي أدّت إلى توقف أي تقدم لتمرير القانون من خلال البرلمان الاتحادي منذ صدور أول مشروع لقانون النفط والغاز الذي ظهر منذ أكثر من ثلاث سنوات، لم تتغير.
إنّ محاولات الحكومة الفدرالية لتمرير قانون النفط والغاز، الذي سيؤدي إلى خصخصة معظم أقسام صناعة النفط والغاز الوطنية، والتفاوض مع حكومة إقليم كردستان من أجل الاتفاق على حل وسط لشكل القانون الذي يمكن أن يكون مقبولاً لكلا الجانبين ويمكن أن يعرض على البرلمان الاتحادي، لم تنجح حتى هذا التاريخ.
10 ــ من أهم أهداف نائب الرئيس الأميركي بايدن في آخر زيارة له إلى العراق وضع ثقل إدارته الجديدة وراء الضغط على الحكومة العراقية من أجل تمرير قانون النفط والغاز في مجلس النواب الفدرالي وذلك باستخدام أساليب تهديد مماثلة للتي كانت تستخدمها الإدارة السابقة لبوش/ تشيني. (2)
11 ــ أصبح من الواضح أن إعادة إحياء شركة النفط الوطنية العراقية التي تأسست في منتصف عام 1960 بعد قانون 80 لسنة 1961 الذي حرر 99.9٪ من الأراضي العراقية من سيطرة شركات النفط الدولية والذي كان العمود الفقري لصناعات النفط والغاز الوطنية، لن يرى الضوء خلال فترة هذا البرلمان. وسبب هذا الفشل يرجع إلى الخطوات التكتيكية العقيمة للحكومة المركزية في بغداد لعرض قانون إعادة «شركة النفط الوطنية العراقية» على البرلمان الاتحادي كجزء من رزمة تشمل أيضاً «قانون النفط والغاز الجديد» و«قانون اقتسام عائدات النفط» و«القوانين الجديده لوزارة النفط».
12 ــ من المرجح جداً أن الدافع وراء الموقف الأخير لوزير النفط وإصراره على أن شركة النفط البريطانية BP وشركة النفط الوطنية الصينية CNOC لن يدفع لها أكثر من 2 دولار لكل برميل إضافي من النفط الذي سينتج من حقل الرميلة، هو المعارضة الواسعة النطاق لجولة التراخيص الأولى من قبل معظم العاملين في شركة نفط الجنوب، ومن بينها نقابة عمال النفط IFOU، وعموم العراقيين وبعض أعضاء البرلمان.
13 ــ إذا كان السيد وزير النفط الاتحادي قد غيّر حقاً وجهات نظره حول مستقبل صناعة البترول والغاز، وبدأ يرغب حالياً في الحفاظ على الصناعات النفطية والغازية كثروة وطنية لجميع العراقيين، كما يعتقد بعض خبراء النفط في العراق، فما عليه لكي يثبت ذلك إلا أن يقوم أولاً بسحب خطته الاستراتيجية لخصخصة هذه الموارد، أي أن يسحب مشروع قانون النفط والغاز. كما ينبغي عليه التخلي عن الاتفاق المعقود مع شركة «شل» الذي أعطاها 25 عاماً من السيطرة الكاملة على الثروات العملاقة للغاز في جنوب البلاد، وهي الاتفاقية التي أعطت السيطرة الحقيقية لثروة العراق الغازية إلى شركات النفط العالمية IOCS، وكذلك العمل بصدق على إعادة تأسيس شركة النفط الوطنية.
إن مثل هده الخطوات إن تمت ستشير بما لن يدع أي مجال للشك إلى أن السيد الوزير قد غير حقاً وجهة نظره، إذ لا الخطب المتناقضة ولا المقالات والمقابلات التلفزيونية يمكن أن تثبت خلاف ذلك.(3)
14 ــ إن عقود الخدمات الفنية TSC لجولة التراخيص الأولى لا ينبغي النظر إليها بحد ذاتها باعتبارها تدابير مباشرة للخصخصة. ومع ذلك، فإن الخطر منها هو أنها تمثل خطوة مدمرة للغاية، حيث ستؤدي إلى تفكيك الصناعات الوطنية للنفط والغاز وإلى ضياع الـ 40 عاماً من الخبرة الماضية. وبالتالي، فمع مرور الوقت، سوف تدفع العراقيين إلى الاعتماد الكلي في المستقبل على شركات النفط الاحتكارية العالميه IOCS، وستترك الحكومة العراقية في موقع لا مخرج لها منه غير القيام بالخصخصة الكاملة لقطاعات النفط والغاز الوطنية.


1ــ بن لاندو: «بين العراق وشركة شل للغاز احتكار الشركة»
2 ــ منير الجلبي «ماذا يؤخر إنجاز قانون النفط العراقي الذي طال انتظاره؟» ZNet، 22 آب/ اغسطس 2007.
3 ــ الدكتور حسين الشهرستاني «تنمية قدرات العراق النفطية»، دراسة الحالة الاقتصادية في الشرق الأوسط، المجلد 52، نيسان/ أبريل 2009.
* مهندس ومحلل سياسي
ونفطي عراقي مقيم في بريطانيا


من هو ثامر الغضبان؟



ثامر غضبان هو أحد خبراء النفط العراقيين التكنوقراط، والذي يبقى دائماً على أهبة الاستعداد لخدمة رؤسائه السياسيين. أصبح من المعروفين جيداً لدى شركات النفط العالمية، ومجاميع الضغط الغربية المؤيدة لها منذ بدء الاحتلال الأميركي للعراق. كان عضواً في حزب البعث وكان يعمل بجد كبير داخل وزارة النفط منذ ظهور سياسات الخصخصة التي بدأها نظام البعث، مع تفكيك شركة النفط الوطنية العراقية في عام 1987، والذي تبعه التوقيع على عدة عقود للمشاركة في الانتاج مع الشركات الأجنبية في أعوام 1997 ــ 2000. ثم أصبح واحداً من أوائل الفنيين والخبراء العراقيين الذين قدموا خبراتهم للاحتلال «ومجلس الحكم».
بعدها، تمّ تعيينه وزيراً للنفط من قبل مجلس الحكم في حكومه أياد علاوي، وعمل مع حكومة علاوي لإضفاء الصفة السرية لتسليم ثروات العراق من النفط والغاز والموارد الطبيعية للشركات العالمية وخاصة شركات النفط الأميركية.
ثم تم اختياره واحداً من ثلاثة خبراء نفطيين في العراق للعمل على المشروع الأول لقانون النفط والغاز، لكنه كان العضو الوحيد في الفريق الذي واصل دعمه للمسودة الأولى من مشروع القانون بعدما تخلّى العضوان الآخران في الفريق عن ارتباطهما بها. لقد كان صريحاً جداً في أن يعترف بأنه سيكون جاهزاً للعمل مع أي من رؤسائه السياسيين لتنفيذ سياسات الخصخصة (مقابلة مع ثامر الغضبان، النفط العراقي للمنتدى، 6 أيار/ مايو 2009). وأصبح من المشاركين في معظم الجلسات العلنية والسرية بين شركات النفط الاحتكارية والحكومة العراقية ووزارة النفط بعد تعيينه رئيساً للجنة الاستشارات النفطية في مكتب مجلس الوزراء (PMOAC).