لا مبالغة في الحديث عن ارتفاع أسعار الوجبات في المطاعم. ولا مبالغة أيضاً، في القول إن جزءاً من هذه الوجبات ينجو من جوع الزبائن. في شهر رمضان، ماذا تفعل المطاعم بالطعام الباقي على طاولاتها؟
محمد محسن
الزبون يأكل بعيونه قبل أن يملأ بطنه. تتردد هذه «النظرية» على ألسنة أصحاب المطاعم، من الطامعين بملء دفتر حجوزاتهم. هذا في الأيام العادية وموسم السياحة، فكيف في شهر رمضان الذي تعمر فيه موائد الإفطارات، والذي تزامن في هذا العام مع موسم السياحة والاصطياف؟ الجواب بديهي، تترجمه العروضات والصحون اليومية التي تكثر منها المطاعم في الشهر الفضيل.
وليطعم الزبون عينه قبل فمه، و«يبيّض» وجهه أمام مدعوّيه، فمن البديهي أن تمتد على طاولات السفرة أصناف كثيرة من الأطعمة، حتى وإن عاد بعض الصحون أدراجه، من دون أن تنال منه أيدي المفطرين. كثيرون من هؤلاء، لا يفون بوعودهم عندما يكونون صائمين، بـ«القضاء» على الطعام وقت الإفطار. يخرج الكثير من الطعام «غير المأكول» يومياً من أبواب البيوت إلى براميل القمامة، فكيف الحال بما يخرج من المطاعم؟ ثمة أسئلة بديهية يجدر طرحها على المطاعم التي تستهلك كميات كبيرة من الطعام، وخصوصاً بعد ارتفاع أسعار مواده الأوليّة، كالحبوب واللحوم والدجاج والخضار. في أوروبا، تنبهّت المطاعم إلى تردّي أحوال الزبائن بعد تأثر سيولتهم بالأزمة الاقتصادية العالمية. نتائج هذا الانتباه، كانت خفض حجم الوجبات، لتتناسب مع قدرة المطاعم على شراء كميات الطعام، وكذلك لتتمكن من خفض سعرها، وبالتالي جذب الزبائن من جديد. في لبنان، هل تشبه استراتيجات عمل المطاعم في شهر رمضان تحديداً، تلك الاستراتيجيات الجديدة المتبعة في غير مكان من العالم؟ تحتاج الإجابة إلى جولة على المطاعم المتكاثرة حديثاً في أجزاء من العاصمة وضواحيها. جولة لا يستدعيها الفضول لمعرفة الإجابة ومراقبتها عن كثب، بقدر الذهول من بعض المشاهد المتكررة لأناس يقتاتون على ما ترميه بعض المطاعم، بعد شبع زبائنها. إذ من الواضح، أن ما لا تستطيع برادات المطاعم احتماله، يمكن لبطون الجياع هضمه، على الرغم من تحمّل مرارة نظرات المارة ذهاباً وإياباً.
يؤكد أصحاب المطاعم الذين تحدثوا لـ«الأخبار» أن حركة الزبائن لا تزال ضئيلة، وهذا طبيعي في الأيام الأولى من رمضان، حيث لا مجال لإعطاء تقويم نهائي لمعدّل زيارات الزبائن. لكنّ ثمة اختلافاً في شكل العمل، حجم الوجبات، وحتى كميات الطعام التي تبقى «سالمة» بعد انتهاء فترة الإفطار.
في وسط بيروت التجاري، حيث بين كل مطعم ومطعم، مطعم ثالث، تلمس الاختلاف بين المطاعم في طريقة تصريف الطعام الباقي. يشير مدير أحد المطاعم في «الداون تاون» إلى أن وجبات المطعم ما زالت على حجمها، حتى مع ارتفاع أسعار مواد الطعام الأوليّة. ينطلق مدير المطعم من خبرته في نوعية زبائنه، ليؤكد أن «الزبائن، وخصوصاً السياح، لم يشتكوا من الأسعار التي ارتفعت قليلاً». أمّا عن الطعام الباقي بعد انتهاء إفطارات الزبائن، فمصيره ببساطة هو الرمي في أكياس تنقل مساءً إلى حاويات النفايات. مدير مطعم آخر، يخالف جاره الرأي، فيؤكد أن قليلاً من الطعام يبقى، وخصوصاً مع خفضه حجم الوجبات والأسعار معاً. «180 غرام لحمة لن يبقى منها شيء أمام الصائم»، يقول مدير المطعم، مشيراً إلى أن الزبون يهتم «بالنوعية والطعم والخدمة السريعة». مطعم ثالث في شارع الحمرا، يرد مديره سبب تقليل كميات وجبات الإفطار إلى ارتفاع أسعار المواد الأولية «كنا نجيب صندوق البقدونس بـ3000 ليرة وأصبح سعره حالياً13000». هذا ما استدعى عروضاً يصفها المدير بالجيدة، تراعي أوضاع الزبائن ووضع المطعم على حدٍّ سواء. لكن حال هذا المطعم بالنسبة للطعام الباقي، يشبه حال غالبية المطاعم من رمي الطعام الباقي، لكن مديره يجد تعليلات أخرى له. فكما يؤكد، يرفض المراقبون الصحيون رؤية طعام «وضع في الصحن لأكثر من مرة، أو بايت بالدارج» ويضيف مشيراً إلى التخوف من نقل الأمراض، وخصوصاً إنفلونزا الخنازير الآتية حديثاً. أمّا في الضاحية الجنوبية، التي أتخمتها المطاعم في الآونة الأخيرة، فيجد مدير أحد المطاعم الشهيرة حلّاً للطعام الباقي بحالة جيدة. والحل هو «بطون بعض الشغيلة». يتم هذا الإجراء الاختياري بحق الطعام الذي تحتمل صلاحيته الانتظار بعض الوقت، أو إعادة تصنيعه من جديد، لكنّه لا يطال بحال من الأحوال، المأكولات التي تستهلك سريعاً كالمتبلات والفتوش.
مهما تعدّدت إجراءات المطاعم، فإن استهتاراً بكميات هائلة من الطعام يظهر بوضوح. فما يراه مدراء المطاعم قليلاً أو غير مهم، بعدما استوفت طاولاتهم أرباحها، يمكن أن يوضّب ويقدّم إلى محتاجين كثر في شهر رمضان.