معتصم حمادة *في الفترة الأخيرة، تكرّرت عبارة «السنتين» على لسان أكثر من مرجع سياسي، ووضعها أكثر من طرف سقفاً زمنياً لإنجاز حلّ للصراع الفلسطيني والعربي الإسرائيلي. وردت عبارة «السنتين» على لسان سولانا، المرجع الأوروبي المعروف. كما وردت في خطة رئيس الحكومة الفلسطينية سلام فياض لاستكمال بناء مؤسسات الدولة الفلسطينية. وجاءت في تسريبات صحافية قالت إن إدارة أوباما اقترحت على حكومة نتنياهو تجميد الاستيطان لمدة سنتين. وأخيراً، في اقتراح لـ«حماس» بتمديد ولاية عباس والمجلس التشريعي الثاني.
فما هي قصة «السنتين» هذه؟ خبر صغير أوردته وسائل الإعلام منذ فترة قصيرة، واحتل مكاناً هامشياً في صفحات الصحف، يقول إن سولانا، الذي بات خبيراً من موقعه الأوروبي في شؤون الشرق الأوسط، وخاصة القضية الفلسطينية، دعا مجلس الأمن الدولي إلى تبنّي قرار بإعلان قيام دولة فلسطينية مستقلة في الضفة والقطاع، بعد سنتين، دون الربط بين هذا الإعلان وبين وصول المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي إلى الاتفاق على الحل الدائم. وأضاف سولانا إن على مجلس الأمن أن يكون جريئاً ولا يخضع الحل في الشرق الأوسط لإرادة إسرائيل وحدها. لذلك اقترح أن يحدَّد السقف الزمني للمفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي بسنتين، يكون بعدها مجلس الأمن مخوّلاً اتخاذ قرار بقيام دولة فلسطينية معترف بها دولياً.
الملاحظ أن هذا الاقتراح، رغم ما فيه من إثارة سياسية لافتة للنظر، مرّ مرور الكرام وكأن هناك من أراد التغطية عليه لسبب أو لآخر. وفي سياق الجدل المفتوح إعلامياً حول الاستيطان في الضفة والقدس الشرقية، تسربت أنباء تقول إن إدارة أوباما تعتزم أن تقترح وقف الاستيطان لمدة سنتين. وإن هذا الاقتراح سوف يرد في خطة الرئيس الأميركي للحل في الشرق الأوسط، التي طال انتظارها. وهناك من كان يقول إن أوباما سوف يعرض مشروع خطته هذه على الرئيس المصري حسني مبارك في زيارته (الأسبوع الماضي) إلى واشنطن، فضلاً عن أن الإدارة الأميركية أجرت مشاورات موسّعة مع الأطراف العربية والإقليمية المعنية بالحل.
الأنباء تتحدث في المقابل عن اقتراح إسرائيلي بقبول تجميد الاستيطان لثلاثة أشهر فقط، تكون كافية ـــــ حسب تقديرات تل أبيب ـــــ لتوفير الأجواء المناسبة لإطلاق العملية التفاوضية مرة أخرى. تقول هذه الأنباء في الوقت نفسه، إن حكومة نتنياهو تطالب، مقابل تجميد الاستيطان، بخطوة عربية استراتيجية، تقود إلى تطبيع العلاقات العربية ـــــ الإسرائيلية، حتى قبل الوصول إلى حل إسرائيلي مع الفلسطينيين.
وهناك من يهمس أن مطلب إسرائيل بتطبيع العلاقات يمثّل تمهيداً لتمديد فترة تجميد الاستيطان، شرط أن تقبض تل أبيب الثمن مسبّقاً باعتراف وتطبيع عربيّين بها، دون أية استدراكات. وهناك من يؤكد أن طلب «السنتين» كما سيرد في المشروع الأميركي ليس مصادفة، لأن واشنطن ستقترح أن تكون السنتان القادمتان هما الزمن الضروري والكافي لولادة دولة فلسطينية، وأن واشنطن تربط بين تجميد الاستيطان والسقف الزمني المطروح للمفاوضات. ويبدو هذا الرأي قابلاً للتصديق، ومعقولاً، وخاصةً إذا ما ربطناه بموقف سولانا، الذي دعا مجلس الأمن الدولي إلى التدخل لمصلحة قيام دولة فلسطينية إذا لم تسفر السنتان القادمتان عن حل دائم بين الأطراف المعنية.
في السياق، وضع فياض مشروعاً لاستكمال بناء مؤسسات الدولة الفلسطينية خلال السنتين المقبلتين، ورأى أن بناء هذه المؤسسات شرط لازم لقيام الدولة، وأن إعلان الدولة، بدون مؤسسات، سيبقى خطوة ناقصة، بل ربما ضارّة أحياناً. بدوره ثمّن الرئيس عباس خطة فياض.
وهناك من يقول إن فياض هو المرشح لأن يبقى رئيساً للحكومة الفلسطينية خلال السنتين القادمتين، مهما دخل على هذه الحكومة من متغيرات، بما في ذلك المتغيرات التي سوف تتأتّى من نتائج الانتخابات التشريعية والرئاسية المقبلة. ففياض، والقول لمصادر مطلعة، هو الشخص المنتدب، فلسطينياً، وإقليمياً ودولياً، لبناء مؤسسات السلطة الفلسطينية وإن هذا كله يجري بترتيب مدروس، وبناءً على معلومات مؤكّدة أن فترة السنتين المقبلتين هما اللتان ستلدان دولة فلسطينية. وهذا ما يفسر على سبيل المثال، تأكيد الرئيس عباس (17/8/2009) أن السبيل إلى الدولة هو المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي، ولا شيء آخر.
وعلى هامش هذا كله، يلاحظ المراقبون أن «حماس»، في اللقاءات المغلقة، لا تخفي رغبتها في تمديد ولاية المجلس التشريعي ورئاسة السلطة لسنتين قادمتين، وذريعتها في ذلك أنها لم تأخذ فرصتها في الحكم بسبب الحصار الإسرائيلي. كما يلاحظ أنها لا تكف عن تجميع الذرائع لرفض إجراء الانتخابات التشريعية (والرئاسية) في موعدها المقرر في 25/1/2010.وهناك من يؤكد أن «حماس» تتلمّس، من خلال الاتصالات المختلفة، أن طبخة الحل موضوعة على النار، وأن التوقيت الزمني لإنجازها هو سنتان، لذلك هي تتمسك بموقعها في التشريعي (وفي الحكومة المسماة) مقالة، لتبقى جزءاً من «الشرعيات» الفلسطينية (كما يحلو لها أن تصف الشرعية الفلسطينية وهو توصيف لا وجود له إلا في قاموس «حماس» السياسي) وتبقى بالتالي جزءاً من العملية التفاوضية، وجزءاً من الحل، وجزءاً من الدولة الفلسطينية المرتقب قيامها، علماً أن «حماس» باتت تدعو إلى دولة في الضفة والقطاع، والقدس، وتوافق على تعليق قضية اللاجئين ووضعها في البراد، والقبول بهدنة مع إسرائيل تدوم أربعين عاماً.
إذن، نحن أمام كلمة سر تتردد في الأوساط السياسية هي «مدة السنتين» بالطبع، ما من حريص على المصلحة الوطنية إلّا ويرحّب بوضع سقف زمني للمفاوضات. وهذا مطلب وطني بامتياز. كذلك نلتقي مع دعوة سولانا لقيام دولة فلسطينية بعد السنتين، لقطع الطريق على مماطلة الجانب الإسرائيلي ومخططه الذي يبقي موعد قيام الدولة الفلسطينية في عالم المجهول.
غير أن هذا لا يدعونا إلى أن نتهاون في شروط قيام الدولة الفلسطينية (حدود الرابع من حزيران وعاصمتها القدس) وكذلك تأكيد التمسك بحق اللاجئين في العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم التي هجّروا منها منذ عام 1948، وضمان هذا الحق ورفض أي تطبيع عربي مع إسرائيل، قبل انسحابها من كل الأراضي العربية المحتلة في عدوان حزيران (فلسطين ـــــ سوريا ـــــ لبنان).
في كل الأحوال، تؤكد المؤشرات أن الأجواء السياسية الإقليمية والدولية حبلى بمولود ما يتعلق بقضية الشرق الأوسط، وعلى الفلسطينيين، وكذلك العرب، أن يكونوا متأهّبين لاستقبال هذا المولود، والتصرف بما تمليه المصلحة الوطنية والقومية العربية، أياً كان هذا المولود، ومهما كان موعد ولادته.
* عضو المكتب السياسي
للجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين