اختلف تقويم طلاب معهد العلوم الاجتماعية، الفرع الثالث في طرابلس، لسنتهم الأولى في مبنى كليتهم الجديد، وتفاوت شعورهم تجاه هذه النقلة التي جعلت من اختصاصهم كياناً مستقلاً... جداً، إذ لم تعد الكلية مجرد مبنى متواضع في حرم كليتي الآداب والحقوق، لكنها في المقابل، أصبحت معزولة
إيلي حنا
انتهت السنة الدراسية الأولى في المبنى الجديد المستقل لمعهد العلوم الاجتماعية، وهو المبنى الذي بدأت فكرة إنشائه منذ خمس سنوات نظراً لضيق المبنى القديم والازدحام الشديد الذي فرضه 1400 طالب مسجلين في الكلية. وفيما يقع المبنى في منطقة هادئة بعيدة عن باقي الكليات، إلا أن المقاهي تندر حوله، بينما لم تفتتح الكافيتريا الخاصة به بعد.
وبالرغم من أن المبنى الجديد يحتوي على قاعات فسيحة ومسرح، بالإضافة إلى مكتبة متطورة وملعب واسع، إلا أن الطالبة ريما الجمّال تشعر بأنها في عزلة تامة، بينما «من الأفضل أن نختلط مع الآخرين» كما تقول. أما عن التجهيزات، فهي ترى أن ما يعنيها هو المكتبة التي تحسنت شكلاً، أما مضموناً، فلا تزال الكتب هي إياها والأبحاث هي ذاتها يتناقلها الطلاب سنة بعد أخرى.
وبخلاف ريما، تطيب العزلة لعلاء حمادة الذي ينتظر تخرجّه هذا العام. فهو آثر الابتعاد عن الجو الجامعيّ، ولا يفكر إلا بمستقبله بعد التخرّج، وهو بالكاد حضر مواد الأبحاث الإلزامية لأنه يرى أن التحصيل الأكاديمي أهم من الأمور الثانوية الأخرى، «فبالسنتين الماضيتين كوّنت شبكة أصدقاء ومعارف، وبالتالي لست بحاجة إلى وقت إضافي أقضيه في الجامعة». أما زميله أحمد، فلا يشاطره الحماسة للتخرج، بل يؤكد أنه لن يندم كثيراً في حال عدم تخرجه هذا السنة! فتراه ينتقل من محاضرة إلى أخرى على مدار اليوم، مستثمراً فرصة وجود كرسي فارغ ومريح لمتابعة المحاضرات، حتى ذهبت به الأمور إلى متابعة بعض صفوف السنة الأولى التي لم يدخلها يوماً على حدّ قوله!
في المقابل، لا تلبث ماري مخلوف أن تخرج من قاعة المحاضرات حتى تحطّ في كلية إدارة الأعمال المجاورة، لأن «هناك نصف أصدقائي، بينما تركت النصف الآخر في دنيا الاغتراب» كما تقول ممازحة في إشارة إلى أصدقائها من طلاب كلية الحقوق. تستطيع ماري أن تعدّ على أصابع يدها الواحدة رفاقها المقربين في العلوم الاجتماعية، وهم لا يجتمعون معاً سوى ثلاث مرات شهرياً بسبب تفاوت نسب الحضور ووتيرته بينهم.
لعلّ الطالبات والطلاب الذين تغيب عنهم الحياة الجامعية الاعتيادية أو من فضّل الابتعاد عنها هم أكثر المستفيدين من هذا المبنى. فرولا وآمنة، الطالبتان في السنة الثانية، تنزلان مرّتين أو ثلاثاً بالأكثر أسبوعياً من جرود عكار بعد أن تستقلّا أحد الباصات الذي يعيدهما إلى منزلهما مباشرة مع انتهاء الدوام، إذ لا تبحث هاتان الطالبتان إلا «عن قاعة واسعة ومريحة وبعض الهدوء والتنظيم»، كما تقولان. سميرة، بدورها، سئمت «عجقة الآداب» واضطرارها إلى حجز كرسي أماميّ باكراً للحضور. فبينما تعيد سميرة سنتها الأولى، تتوقع أن تترفع من دون الحاجة إلى دورة الامتحانات الثانية جراء «الراحة النفسية والتركيز العالي اللّذين صاحباها هذا العام».
بين شعور بعض الطلاب بأنهم في ثانوية أكثر منها جامعة، وسعادتهم بالخصوصية وتوافر التجهيزات، وبالراحة التي أصبحت متوافرة لهم اليوم بعدما غابت عنهم خلال السنوات الفائتة، يحاول هؤلاء تجاوز عدم وجود حياة جامعية وبيئة طلابية في المبنى حديث الولادة، والاستفادة من ميزات العزلة التي كانت ثمن الاستقلالية، على أمل أن يفرج عن قرار المزايدة على الكافيتريا من الإدارة المركزية، وأن يبدأ الطلاب بتنظيم أنشطة رياضية وثقافية وترفيهية تلمّ شملهم وتجمعهم.


المؤسّسات المدنيّة جهّزت المعهد

يشير مدير المعهد الدكتور عاطف عطية (الصورة) إلى أن الإدارة لم تجد طريقة سوى فتح الباب أمام المؤسسات المدنية في المدينة لتجهيز الجامعة عبر مقترحات يقدّر تكلفة الواحد منها ما بين 40 و 50 ألف دولار، فأسهمت جمعية العزم والسعادة في تجهيز المكتبة، فيما كانت قاعت المحاضرات من نصيب مؤسسة فارس، وقاعة للطلاب لمؤسسة الصفدي، بانتظار تجهيز مؤسسة الحريري قاعة المعلوماتية. وعن الصعوبات التي تواجه المعهد، ذكر عطية مشكلة الكهرباء التي تستمدّ من المشاريع المحيطة بالكلية بإنتظار إنشاء محطة خاصة بالمعهد. أما إدارياً، فمن المتنظر ملء بعض المراكز الحساسة الشاغرة كمسؤولية شؤون الطلاب، المالية والإدارية، بالإضافة إلى أمانة السر بعد بلوغ أمينها سن التقاعد.