حسان الزين


لإرسال رسالة الى المحرر، انقر هنا

احتاج وليد جنبلاط إلى عشرين سنة ليتجاوز الاتفاق الثلاثي (أركانه نبيه بري وإيلي حبيقة وجنبلاط نفسه، برعاية سورية، 1985)، نحو اتفاق رباعي (أركانه سعد الحريري وحزب الله وبري وجنبلاط، في انتخابات 2005). هذا التقدّم، من الناحية العددية، «أفضل» نموذج قدّمه الطاقم السياسي اللبناني على مدى عقود. أمّا حزب الله، فقد بدأ، مع استدارته قبل سنوات، كما يُقال، إلى السياسة اللبنانية، بالاتفاق الرباعي ليعود، بعد أقل من سنة، إلى تفاهم ثنائي مع التيار الوطني الحر.
بمعزل عمّا يبثّه المشهد هذا من أن حزب الله وجنبلاط يسيران في اتجاهين متعاكسين، يبدو أن الرقم 4 ليس امتيازاً جنبلاطياً، حتى وإن استدعاه واستحضره رئيس الحزب الاشتراكي الذي يفصح في هذه الأيام عن حنين إلى بعض شعارات اليسار من القرن الماضي.
الاتفاق الرباعي، أو أي اتفاق بين أي أربعة أفرقاء سياسيين لبنانيين، في ما يبدو، هو الرقم الأقصى الذي يمكن أن يصل إليه الطاقم السياسي اللبناني، الذي يعاني مشكلة مزمنة مع الحساب. فحتى لو انضم إلى أي اتفاق رباعي أفرقاء آخرون، فسيكونون ملحقين تابعين، أشبه بالديكور المذهبي الذي يحتاج إليه الاتفاق.
هذا ما يجعل صدى الاتفاق الرباعي يتردد بين حين وآخر في الهيكل السياسي اللبناني. واليوم، ثمّة من يذكّر به: وليد جنبلاط، فيما يلتزم المرشح الدائم للتحالف والتقاطع معه، نبيه بري، الصمت إزاء ذلك. أما سعد الحريري وحزب الله، فيظهر كلٌّ منهما الحرص على تحالفاته المختلفة. بل كأن هؤلاء، باستثناء جنبلاط، ينتظرون كلٌّ في موقعه وعلى تحالفاته وخطابه، ريثما تتوضح الصورة الإقليمية.
في الأثناء، يبدو أن لدى ميشال عون وسمير جعجع وأمين الجميّل مخزوناً لا بأس به من القلق والخوف، إن لم يكن من اتفاق رباعي ما، فمن اتفاق الحليفين الإقليميين للأفرقاء اللبنانيين الأربعة، أي سوريا والسعودية، وانعكاس ذلك في النظام اللبناني. وإذ يهدّئ عون قلقه بالتفاهم مع حزب الله والأبوّة مع سليمان فرنجية و«التصعيد» في ما يخص ملف تأليف الحكومة برئاسة سعد الحريري، ينضم جعجع والجميّل إلى نادي المنتظرين، حريصين على العلاقة بالحليف المحلي الأوّل، سعد الحريري، إذ لديهما حاجة إليه، ويثقان به أكثر مما يثقان بوليد جنبلاط، نظراً إلى علاقاته العربية عموماً والسعودية خصوصاً.
هكذا، يتساوى عون من جهة، وجعجع والجميّل من جهة أخرى. تحالفات الطرفين في الامتحان. في المقابل، يتساوى حزب الله والحريري، لا في الصدقية تجاه الحليف وحسب، بل في قدرة كل منهما على إعادة صوغ خطابه واستراتيجيته المحليّين والإقليميّين. فالاثنان، كبطلين دراميين، مضطران، في حال الاتفاق السوري السعودي، إلى التنازل كلٌّ للآخر، والأهم لحليفه. حزب الله لعون، والحريري لجعجع والجميّل. وهذا ما بدأ قبل الانتخابات وسيستمر في حال اتفاق «س س»، وفي حال أخلصا (الحريري وحزب الله) لحلفائهما، ما يعني أن أي اتفاق في اللحظة الراهنة بين حزب الله والحريري وبري وجنبلاط لا يمكن أن يحصل إلا إذا أُخذ في الاعتبار «حلفاء» هؤلاء الأفرقاء، أو يكون خيانة. والأمر وارد في السياسة.
لقد تضخّمت في السنوات الماضية أدوار حزب الله ـــــ بري والحريري ـــــ جنبلاط وأحجامهم. صحيح أن اتفاق الطائف الذي طويت صفحة من كتابه مع اغتيال الرئيس رفيق الحريري، أسّس لذلك، إلا أن الدور الأهم في ذلك هو للّاعبَين الإقليميَّين.
إذاً، حان الآن موعد عون مع سوريا. اليوم الامتحان، بمعزل عن علاقة سوريا بإيران وحزب الله. فعون هو السلاح الذي خصّبته سوريا في السنوات الماضية. فهل تتنازل عنه؟ وهل يتخلّى هو عن فرصته في دعم سوريا له، وبالتالي مطالبته بأن يترجم حجمه النيابي في الحكومة، وحجمه الطائفي في النظام؟
الاحتمالان ضعيفان. فمصلحة سوريا اليوم أن تكون سوريا 1976 المدافع عن حقوق «المسيحيين» ونظامهم. عون الآن بالنسبة إليها أهم من الجبهة اللبنانية في بداية الحرب اللبنانية، وأهم من إيلي حبيقة في الاتفاق الثلاثي. عون لسوريا مفتاح لطرح «حصّة» المسيحيين في النظام، وهي النصف وفق الطائف. أي إن عون هو من سيواجه الحريري مطالباً بحقوق المسيحيين وحصّتهم، وفق دستور الطائف، بالرغم من أنه عارض هذا الاتفاق وكان أبرز ضحايا تنفيذه على الطريقة السورية. هنا، في العودة إلى المناصفة، تلتقي سوريا مع سعد الحريري الذي رفض المثالثة، عشية الانتخابات النيابية، وشدّد على المناصفة، مغازلاً المسيحيين، ومشكّكاً في حزب الله الذي، بحسب قسمة المثالثة، يريد أن يأخذ من حصة المسيحيين، وجعلها ثلثاً بدلاً من نصف.
هكذا، إذا كان حزب الله ـــــ حركة أمل حليفي سوريا، وإذا كان عون «مفتاح التوازن»، فإن الحريري هو «الزبون» الأول الذي يحتاج إلى خدمات سوريا لتجديد النظام الذي منحه الدور المحوري.
وما زال جنبلاط يحاول معرفة التوقيت الذي تعتمده دمشق.