الكلام على سن الاقتراع يكاد يكون واحداً من أبرز العناوين السياسية في لبنان، سن الـ 18 عتبة استمتاع الفرد بكامل حقوقه المدنية. كثيرون هم الأحداث الذين يخالفون القانون، التدخين، السهر في الملاهي... ممارسات تبدأ قبل «سن الرشد»، في غياب ثقافة تطبيق القانون
محمد محسن
تحوّل الرقم 18 ـــــ مع شيوع الضجة الانتخابية حوله ـــــ إلى مفردة. وهو يمثّل بالنسبة إلى كثيرين نقطة تحول تقودهم نحو حياة جديدة: ما قبل بلوغ الـ18 مرحلة لا تشبه ما بعدها.
عندما يطفئ المرء شمعة ميلاده الـ 18، يمنّي النفس برخصة السوق، وربما مفاتيح السيارة. وإن حصل ذلك، فقد تقوده السيارة نحو ملهىً ليلي، كان ممنوعاً من دخوله سابقاًً. أما في ما يتعلق بالمعاملات الرسمية، فإن بركة «الاستقلالية» صارت مصونة بحكم القانون، هكذا صار من الممكن التوقيع المباشر من دون إذن ولي الأمر، وحمل مستند يثبت ملكية عقار أو ورقة الضمان الاجتماعي.
هل ينصاع الجميع إلى حكم القانون؟ يندر أن تمشي في زاروب في بيروت وضواحيها، دون أن تقع على مخالفات يرتكبها قُصّر. أمّا في القرى، فسيف المخالفات أشد مضاضةً، وخصوصاً حين ترفد البيئة الاجتماعية مخالفات القصّر، بتنويه الرجولة المبكرة، في قيادة السيارة وضرب النار والتدخين، وضرورة الزواج قبل أن «ينقطع نصيب الفتاة»، من دون الاهتمام بقطع نصيبها العلمي.
عند الشاطئ قرب منطقة خلدة، يجلس ثلاثة قصّر. أجسادهم هزيلة، ولا يشير وبر لحاهم إلى تجاوز أكبرهم عتبة السادسة عشرة من عمره. في الصيف، يراكمون المخالفات القانونية، يتناولون «البيرة والفودكا»، أمّا التدخين «فشيء طبيعي وكل الناس بتدخّن» وفق ما يقول زياد. يتعامل القصّر الثلاثة مع متجرٍ يقع في طريق ذهابهم صوب الشاطئ، فيوفّر لهم طلباتهم من الكحول، غير آبهٍ بمخالفة القانون. لماذا تسأل عنّا؟ يستغرب أحدهم، مشيراً إلى أن المخالفة بالنسبة إليه هي «أذية الآخرين، أما الشرب، فنحن نؤذي أنفسنا فقط ومبسوطين»، ثم يذكّرك بسائقي السيارات والدراجات النارية ممن هم دون سن الـ18 عاماً، بعضهم سائقو«فاناتٍ» عمومية، يقودون الناس في كل صباح في طرقات متعددة. علي أحد هؤلاء السائقين. يحتاج من الوقت إلى عام إضافيّ لينال رخصة السوق القانونية. لا ينكر معرفته بحجم مخالفته، لكن، الفقر بالنسبة إلى علي «أقوى من القانون، فهو غادر كراسي الصفوف المدرسية قبل عامين لإعانة عائلته».
الكد من أجل لقمة العيش سبب لمخالفات يرتكبها أحداث، وأرباب عملهم وأهالٍ. هذه حالة هبة التي استغنى والدها عنها لمدة ستة أشهر قابلة للتجديد، ليدفعها إلى خدمة في أحد المنازل. لم تتعرض هبة للتحرّش كما هي حال الكثيرات من عاملات المنازل، لكنها تنظر إلى المستقبل بيأس. غابت عن هبة أحلامها بالتعلّم، والقانون بالنسبة إليها «شي لا قيمة له بيي استغنى عنّي وبيجي بيقبض مرتبي، لشو وجودي أصلاً؟ مستقبلي عالمجلا ويمكن خلّف ممسحة». لم تخالف هبة القانون، بل يقع حساب جرم «تسييبها» على والدها.
جرائم الأحداث تتحدد بحسب القوانين الجزائية، إلا أن العقوبات تخفض بالنسبة إلى الحدث
جلال (15 عاماً) سيصير «معلم جنوطة وميزان دركسيون»، يعمل لمدّة تتجاوز عشر ساعات يومياً. لكنّه يجهل أن ما يقوم به رب عمله مخالف للقانون، وهو قرر أن يتجاهل بعض حقوقه «وين بروح يعني؟ كتِّر خيرو عم يشغلني» يقولها ويخرج زفرة طفل استحالت طاباته دواليب وزبائن بخلاء.
ترفيهياً، تتكّل الكثير من المقاهي الشعبية وبعض المطاعم على فتية قصّر، يغريهم «بقشيش» الصيف، دون الاكتراث لقوانين تحميهم من تسلط أرباب العمل، الذين لا يتوانى بعضهم عن قضم حقوق مستخدميهم. بدأت قصة جمال من أحد المقاهي الشعبية في بيروت. وجد في نقل القهوة والمئتي دولار ممراً لعبور فترة الصيف «وبلا ما مد إيدي لبيي». لكن نهاية أول شهر لم تكن واعدة، لأن صاحب المقهى «تذرّع ببطئي في العمل واستبدلني بعمال أجانب دون أن يدفع لي أجرتي المتفق عليها».
ليس بعيداً عن المقاهي، يتسلل قُصّر كثر إلى الحانات والملاهي الليلية. لست بحاجةٍ إلى التأكد من الأمر، وخصوصاً حين ينشرون صورهم على الإنترنت (موقع الفايسبوك تحديداً). يرافق كثيرون أصدقاءهم الأكبر منهم سناً للدخول إلى الملهى، فيما يفوت حراس بعض النوادي التأكد من أعمار الزبائن، فيدخل الأحداث دون سن الـ18، ويشاركون في السهرات من دون حسيب أو رقيب يردع المخالفات التي يرتكبونها. بعض الأحداث يدخلون الملاهي لأنهم يعرفون الحارس، أو لأنهم أولاد شخص «مسؤول»، كما قال لنا حارسٌ في أحد مقاهي مونو.

القانون يرحم الأحداث

يشير القانون الرقم 422 الصادر في 6 حزيران 2002 إلى «حماية الأحداث المخالفين للقانون والمعرضين للخطر». في المادة الأولى، يؤكد النص أن «الحدث الذي يطبّق عليه هذا القانون، هو الشخص الذي لم يُتمّ الثامنة عشرة من عمره إذا ارتكب جرماً معاقباً عليه في القانون». أما المادة الثانية منه، فتشير إلى أن «الحدث بحاجة إلى مساعدة خاصة تؤهّله ليؤدّي دوره في المجتمع»، والمادة الثالثة تمنح الحدث معاملةً خاصة، تجنّبه الإجراءات القضائية. ويجري ذلك عبر اعتماد التسويات والحلول الحبية غير المانعة للحرية، فيما تكون التدابير المانعة للحرية كالسجن في الإصلاحية أو سجن الأحداث مثلاً، آخر الاحتمالات، وهي إن تمّت، فالقانون يحظر حجز الأحداث مع الراشدين.
على مستوى العقوبات، تشير المادة 4 إلى أن «جرائم الأحداث تتحدد بحسب القوانين الجزائية، إلا أن العقوبات تخفض بالنسبة إلى الحدث». وتتطرق المادة 5 إلى العقوبات غير المانعة للحرية وهي: اللوم أو الوضع قيد الاختبار أو الحماية أو الحرية المراقبة، أو عبر العمل للمنفعة العامة. على أن جميع هذه المواد تطبّق بطريقة تخفيفية على الأحداث مراعاةً لسنّهم. على مستوى الأهل وأرباب العمل، تنص المادة 500 من قانون العقوبات على سجن كل من يتخلى عن قاصر دون سن الــ18، ولو حتى بقصد إعطائه للتبني، وبغرامةٍ تراوح من 5 ملايين إلى 20 مليوناً. أما المادة 22 من قانون العمل، فتحظر «بصورةٍ مطلقة استخدام الأحداث قبل بلوغهم سن الـ 13 عاماً، مع وجوب إجراء فحوص سنوية لاختبار صحة ولياقة العامل الحدث. أما المادة 23 من قانون العمل فتحظر استخدام الأحداث قبل عمر 16 عاماً، وتمنع مشاركتهم في المشاريع الصناعية الخطيرة والمضرة. ولمن هم تحت الـ 18 ويعملون، لا يسمح هذا القانون بأكثر من ست ساعات عملٍ يومياً، تتخللها ساعة من الراحة. كذلك يمنع القانون «تكليف الأحداث بأعمالٍ إضافية أو تشغيلهم فترة الأعياد». وعلى مستوى المسؤوليات، تعاقب المادة 45 من قانون العقوبات كل من يكون مسؤولاً، جزائياً، وكل رب عمل يخالف القانون مع أجرائه، إضافةً إلى معاقبة الأهل أو الأوصياء، الذين استخدموا أو سمحوا باستخدام أبنائهم وفقاً لأحكام القانون.


غياب ثقافة تطبيق القانون

خلل في الانسجام بين ظروف الحياة التي يعيشها المواطنون من جهة، والمواد القانونية من جهة أخرى. هكذا تحلّل الدكتورة نجلاء حمادي (أستاذة مادة التفكير الأخلاقي في الجامعة اللبنانية الأميركية) ارتفاع مستوى مخالفات القصّر. ترى حمادي أن غياب ثقافة تطبيق القانون سبب مهم يؤدي إلى «ارتفاع وتيرة المخالفات كمّاً ونوعاً».
تتحدث حمادي أيضاً عن تسخير القانون لخدمة مصالح السياسيين الكبار، علماً أن الطبقة التي تجدّد لهؤلاء السياسيين هي ذاتها التي ترتكب المخالفات. تركّز حمادي على الاختلاف الواضح بين القانون المدني وقانون الأحوال الشخصية الطائفي، كيف لا والفتاة قبل سن الـ18 عاماً قاصرةً بعين القانون المدني، بينما تصلح لأن تكون أمّاً لثلاثة أولاد في عمر الـ16 عاماً مثلاً بنظر الأحوال الشخصية الطائفية.
لا تبدو مخالفات القصّر مستغربةً، بوجود مخالفات كثيرة يرتكبها الكبار دون عقاب.
حمادي تؤكد ضرورة التوعية ميدانياً، وخصوصاً في ما يرتبط بالنتائج الإيجابية لتطبيق القوانين.