«المونوكروتوفوس» دواء زراعي محظور، يمعن مزارعو العنب في استخدامه ضد عصفور الدوري، بينما تغيب الدولة وسائر أجهزتها المعنية بالرقابة عن مواجهة مافيات تهريبه من تركيا عبر سوريا إلى الصيدليات الزراعية في لبنان
البقاع ــ رامح حمية
تدور حرب بين بعض المزارعين في البقاع وعصفور الدوري الذي تمكّن من التخلص من كل المكائد والحيل التي استخدمت لمنعه من إفساد العنب، ليقع أخيراً ضحية الـ»مونوكروتوفوس».
أشار أحد المزارعين، عثمان، إلى أن عصفور الدوري «عم يخربلنا بيوتنا فهو يسلبنا ثلثي إنتاج كرومنا ويترك لنا الثلث فقط»، موضحاً أن معظم المزارعين اعتمدوا الوسائل البدائية كالمدفع (يطلق النار كل خمس دقائق) والخيالات (الفزاعة) والأشرطة الملونة وجميعها كانت تعطي نتيجة جيدة في البداية، لكنها كانت تفشل بعد أيام عدة، لأنه يعتاد عليها ويألفها فلا تعود تخيفه، الأمر الذي دفعهم لاستخدام الدواء المذكور من الصيدليات الزراعية التي تعتبر «المجيب الوحيد عن أسئلتنا ومشاكلنا في ظل عدم وجود دولة ووزارة زراعة تهتمان بإرشادنا». ويؤكد عثمان «نحن لسنا ضد البيئة ولا العصفور، لكن أرزاقنا ومواسمنا تفسد أمامنا، ولم يكن لدينا وسيلة سوى استخدام الدواء المهرب الذي يستخدمه كل أصحاب صهاريج رش الأدوية»، مشيراً إلى أن «ابن عمي لجأ العام الماضي إلى دواء كان مميزاً في إبعاد العصفور دون قتله، لكن رائحته لازمت عنقود العنب وهي تشبه رائحة الصابون، ما أدى إلى كساد الموسم عنده».
بدوره، أكد مزارع آخر أنه لم يجد وسيلة للحد من أكل عصافير الدوري لحبات العنب إلا NOVACRON (أحد الأسماء التجارية لـ»المونوكروتوفوس») حيث تتساقط العصافير بسرعة لمجرد تنشقها الدواء وتراها بالمئات تحت الدوالي، لافتاً، بدوره، إلى أنه لا يريد القضاء على عصفور الدوري لكنه يسعى لتوفير لقمة الخبز لأولاده، فـ«الدولة ما عم تطعميني ولا بتعوض علي إذا خسرت وكسد موسمي» كما قال.
أما المزارع عبده، (طبيب صحة عامة) فقد لفت إلى أنه يعاني كما كل المزارعين من عصفور الدوري، لكنه اعتمد مع عدد من المزارعين طريقة مختلفة يسعون حالياً إلى تعميمها، وتقضي باستخدام مادة «المونوكروتوفوس» من دون رش رذاذه على الدوالي، بل من خلال وضعه في كبايات بلاستيكية (10 ميلليترات في الكوب الواحد) وتعليقها داخل كل «عريشة عنب». هكذا، تتكفّل رائحته الكريهة بإبعاد العصفور من دون قتله من جهة، بينما يضمن المزارع عدم تلوّث حبات العنب به من جهة ثانية. وأكد عبده خطورة استخدام هذا الدواء، حيث إن استخدامه بطريقة الرش على أعلى الدوالي، يؤدي حكماً إلى وصول رذاذه إلى العناقيد، ما يمثّل خطراً على صحة الإنسان لأن «رواسب هذا الدواء لا تتفكك».
وأضاف أن الدول الأوروبية جميعها منعت استعمال هذا الدواء وتصنيعه منذ خمس سنوات لخطورته، وحتى الدول العربية ــــ الخليجية قد حظّرت بدورها استخدامه منذ سنتين، ليتابع أن مافيات الأدوية الزراعية في لبنان تهرّب «المونوكروتوفوس» من تركيا عبر سوريا إلى لبنان، حيث يُباع للصيدليات التي تضعه على الرفوف على نحو طبيعي، وخاصة «أن الدولة وأجهزتها الرقابية في شتى وزاراتها غير موجودة نهائياً، فمن شو بدو يخاف صاحب الصيدلية الزراعية أو المهرب أو المزارع!».
في المقابل، ثمة مزارعون رفضوا استخدام هذا الدواء بعدما «أرعبتهم» نتائجه حين لاحظوا عدد العصافير التي ماتت، فاعتبر مزارع العنب عبد الكريم أن استخدام هذا الدواء جريمة بحق الطبيعة، لأن «العصفور يقضي على العديد من الحشرات والديدان المضرة فكيف نقتله ونحوّل رزقنا إلى سموم»، مشيراً إلى أنه لا يزال يعتمد على الطرق القديمة التي لا تزال تعطي نتائج إذا ما بدّلت الحيلة من وقت لآخر». أما الحاجة زينب فتستعمل قطعاً من القماش الأحمر وتوزعها على مختلف أرجاء الكرم مؤكدة فعاليتها في طرد العصفور.
أحد الخبراء الزراعيين في البقاع أكد لـ«الأخبار» أن دواء «المونوكروتوفوس» هو «مبيد حشري جهازي يدخل في مكونات ورقة العنب وحتى إلى جزيئات مياهها ويعمل عن طريق الملامسة، وهو ضار جداً وسام للعصفور». وأضاف أنه يمنع استعماله بطريقة عشوائية وغير مدروسة الكمية، لأنه يسبب خطراً على صحة الإنسان، وخاصة إذا ما استعمل في كروم العنب عند بدء نضوجها (تلويح) لأن القشرة تكون رقيقة جداً في حينها ما يجعلها تمتص الدواء بسهولة ليبقى بداخلها، وأضاف أن عصفور الدوري و»دودة الهريان» هما المسؤولان عن هريان عناقيد العنب، لذلك يقبل المزارع على استخدام هذا الدواء، بينما أشار إلى أنه يمكن التخلص من مشكلة العصفور دون قتله بشبك العصافير الذي يمكن حماية الكروم به والذي يصل سعره إلى 60 دولاراً للدونم الواحد بينما يمكن استخدامه طوال ستة مواسم.