الهبّارية ــ عساف أبو رحالتعج دارة عفاف بركات في منطقة الهبارية بالزوّار. زوّار من «عيار» نائب أو سياسي «ثقيل» مرشح للانتخابات، يؤمّون دارها قبل موعد الاستحقاق للاطمئنان إلى أصوات ناخبيهم.
مع كل موسم انتخابي، يتزاحم المرشحون للقاء بركات، المفتاح الانتخابي «المحنك» في المنطقة. تستقبلهم كعادتها. تناقشهم وتحاورهم وتجادلهم أحياناً، ولكنها لا ترد أحداً منهم خائباً، فالجميع يتركونها راضين عن المعلومات التي جمعتها عن الأصوات، المفترض أن تجيّر لمصلحة كل واحد منهم.
لم تولد شهرة بركات كمفتاح انتخابي بين ليلة وضحاها، فقد عملت على بنائها مذ كانت في الثانية عشرة من عمرها. تتذكر بركات أول مشاركة لها في العملية الانتخابية، حيث عملت مندوبة على أحد الصناديق في البلدة مطلع الستينات. وخلال فترة التهجير وما يسمّى الشريط الحدودي، لم توقف بركات «نشاطها السياسي»، وبقيت على تواصل مع السياسيين، إلى أن حلت انتخابات التسعينات. في تلك المرحلة، استعادت بركات دورها، ولو بطريقة خجولة، إذ عملت مندوبة على أحد صناديق الاقتراع في بلدة مرج الزهور.
ومع تحرير الجنوب من الاحتلال الإسرائيلي، عاد نشاط بركات إلى سابق عهده، وعادت دارتها في الهبارية تستضيف مجدداً المرشحين. وعلى الرغم من أن زائريها منقسمون بين موالاة ومعارضة، فإنها لم ترَ نفسها في أي من الخانتين. فهي تصف نفسها بأنها «منفتحة وعلى مسافة واحدة من الجميع». لا تحبّذ تعليق صور المرشحين على الأعمدة والجدران، وترى أنها ظاهرة متخلّفة لأن «الجميع فوق الغربال»... وزيادة، لا تقبل أموالاً من أحد، لأن «ضميري الوطني أكبر من هذا بكثير»، تقول. وعن وعودها للمرشحين هذه الدورة، تكتفي بالقول «للي الله بيقدر عليه». أما عن توقعاتها لسير العملية الانتخابية، فتراها «شبيهة ببطيخة نور». وعندما يسألونها: من ستنتخبين؟ تجيب: «كل من يحمي الوطن الله ونحن معه، ومن يرِد بيعنا فالله يبعدو عنا. تنتهي بركات من المرشحين لتنتقل بالحديث إلى مندوبي صناديق الاقتراع من الجيل الجديد، فتقول «لا يملكون خبرة في العمل الانتخابي». هي تملك هذه الخبرة، لكونها مفتاحاً «فاعلاً بالانتخابات». لكنها، لا تكتفي بهذه الملكية، إذ ثمة ملكية أخرى، فهي والدة لـ46 ناخباً تستطيع تجيير أصواتهم إلى من «يخدم الوطن».
عفاف بركات التي طوت 6 عقود من الزمن، ما زالت مواظبة على عملها... وإن باتت تعاني جملة أمراض مزمنة. لكن كل هذا لا يؤلمها، سوى السياسيين. فهؤلاء لا يزورنها إلّا في الانتخابات. بعدها وينتهي كل شيء، لتبقى بركات وحيدة مع زوجها السبعيني تجهد في تحصيل لقمة العيش وتسديد فاتورة الدواء.