شيء من الظلمة يغلّف كلامنا عن أوجه متعددة من حياتنا اليومية. ماذا عن هموم العمل؟ ماذا عن نزهاتنا، عن مشاوير الأصدقاء أو العائلات؟ أي كلام يجوز في هذه الأيام بالذات، وقد طغى على لغتنا كلام الانتخابات؟هل نتحدث عن نبض المدينة، أم نبض البلاد المتماهي مع إيقاع الخطابات والتحالفات والاستطلاعات، وغياب الحوار بين المتنافسين...؟
غداً، بعد منتصف الليل ستقفل المطاعم والملاهي أبوابها لساعات، قد لا نتنبه إلى أي تغيير في مواعيد استقبال الرواد والساهرين، نحن في هذه الأيام مأخوذون بهمّ واحد، كأن الانتخابات النيابية عطّلت كل أشكال الحياة، كأننا نحن اللبنانيين نسينا أن الانتخابات تُجرى لاختيار من يُسهمون في تسيير حياتنا ويومياتنا.
لكن سكان بيروت سيستعيدون بسرعة حيويتهم، لنكتشف أن أماكن التسلية تتكاثر، تنمو كالفطر في بعض الأماكن والأحياء، أن لكل حي هوية، ليست فقط هوية سياسية أو طائفية أو اجتماعية، لنقل إنها هوية تختص بمجموعة من الساهرين. فالحمرا مملكة للعلمانيين، لشباب يساريين يعشقون التسكع في شوارعها ليلاً ونهاراً. والجميزة، الحي الذي ما زال يحتفظ بأبنيته القديمة، انسحبت منه محالّ الحرفيين لتحتل مكانها الملاهي، الجميزة بديلة مونو. بعد أيام قليلة، سيصعب مجدداً الوصول ليلاً إلى هذا الحي، سيزدحم بالسيارات بالتأكيد، وسيعجز بعض الساهرين عن الوصول إليه، سيبحثون عن أمكنة أخرى للسهر في الأشرفية أو قرب بيروت، وهناك من سيتذكر البترون أو جبيل حيث «السهر أحلى»...
إنه وقت الانتخابات، لا مجال لكلام عن وجوه أخرى من الحياة.