محمود عاصيفي نهاية كل موسم، يقوم المزارع بجردة حساب لمحاصيله، وكذلك التاجر والشركة والمؤسسة والدولة تعدّ ميزانيتها لتحصل على نتيجة الربح والخسارة. ولو قمنا بعملية حسابية بسيطة منذ سنة 1992 (تاريخ بدء الاستقلال الثاني) وغالبية مَن هم في سدة المسؤولية لا يزالون في مواقعهم، وبادرنا بالسؤال الافتراضي للمسؤولين: جئتم لتخدِموا أم لتُخدَموا؟، ولنبدأ بالأمن: تجولون بسيارات مستنسخة مموّهة مصفّحة والحرس من حولكم، لا نراكم إلا على الشاشات ولسان حالنا يردّد: «جبناك يا عبد المعين تتعين لقيناك يا عبد المعين تنعان»، وفي الساحة الأشباح تسرح وتمرح وشبكات التجسّس تنخر البلاد، وكذلك المنظمات العالمية التخريبية والسرقات والتشليح في كل مكان، والقتلى والضحايا يسقطون يومياً في الطرقات.
في الاقتصاد: البلد ينهار وينوء تحت عبء مليارات الديون المتصاعدة، التجارة مشلولة والفقر موحِّد. المجتمع منقسم إلى فئتين: «المديونير» وهم السواد الأعظم، والمليونير وهم سالبو الفقراء، وأين المعامل والمصانع والشركات؟
في الصحة: تفشّت الأمراض والأوبئة وكثرت المآسي وعمليات القلب نتيجة الضغط والتوتر والمرارة.
في الأمور الحياتية: الكهرباء. قهر ووباء. والمياه مقنّنة وتباع بالقناني، ونسأل معاليكم هل سهرتم ليلة على العتمة أو دفعتم اشتراك مولّد كهرباء أو دفعتم ثمن صهريج مياه بعد انقطاع المياه في القصر؟
تصولون وتجولون في الخارج مع الأزلام والحاشية على حساب الخزينة، كبعثات ودعوات، وهل رأيتم هناك ما تشاهدونه في بلادكم من فوضى السير، وفلتان الأمور والنفايات على الطرقات، ثم تدعون وتستقبلون الداعين إلى رد الجميل دون الخجل من حالنا المزرية في البلاد الجميلة وقد حوّلتموها من الجنة إلى جهنم، ومن النعيم إلى الجحيم.
خلاصة العملية الحسابية والميزانية المخيّبة للآمال: كثيراً ما كشف الدرب الطويل العيوب، وقد تنازعتم وفشلتم وقسّمتم البلاد، وفرّقتم العباد إلى معسكرين. أنتم على الشعب متفقون، وعلى القسمة مختلفون، حتى على أدنى وظيفة تختلفون، وجملة الرئيس الهراوي الشهيرة ما زالت في الأسماع «لم نبلغ سن الرشد بعد»، وهاكم اتفاق الطائف، وبعده اتفاق الدوحة خير دليل على ذلك، بعدما عجزتم عن الاتفاق، والسفراء ذهاباً وإياباً يصولون ويجولون وفعل الأمر يتلون.