انتهت الانتخابات النيابيّة. صدرت النتائج. فاز من فاز وخسر من خسر. لكنّ الستار لم يُسدل بعد، فللانتخابات تتمّة، ومن المفترض أن تكون للمخالفات أيضاً تتمة، هي نهايتها المنطقية، وأن تبدأ محاسبة القوى والمرشّحين، الفائزين منهم والخاسرين، على الأخطاء التي ارتكبوها خلال حملاتهم الانتخابية، إضافة إلى ما ارتكبوه خلال اليوم الانتخابي الطويل، مما نجحت لجان المراقبة في توثيقه
راجانا حمية
شهران ويوم كامل، ارتكب خلالها المرشحون الكثير من المخالفات. ما استطاعت هيئة الإشراف على الانتخابات التابعة لوزارة الداخلية وهيئات المجتمع المدني المكلّفة المراقبة، توثيقه، محفوظ في السجلات استناداً إلى المادة 20 من قانون الانتخاب. هذه المخالفات، الطارئة منها فقط، وصل عددها الأحد الماضي إلى 1010 مخالفات وفق «الجمعية اللبنانية من أجل ديموقراطية الانتخابات» وحدها. فكيف الحال في سجلّات الهيئات الأخرى التي يفوق عددها مئة جمعيّة وماكينة انتخابية؟
الأمين العام للجمعية زياد عبد الصمد يعد بجملة مخالفات موثّقة، ستصدرها الجمعيّة بالتعاون مع التحالف اللبناني في تقرير موحّد خلال 3 أسابيع كحدّ أقصى من الآن. وسيتضمّن التقرير المخالفات التي جرى توثيقها قبل وخلال وما بعد صدور النتائج الانتخابية. لكن، ما مصيرها بعد إذاعتها أمام الرأي العام؟ وما قيمتها القانونية في ظل قبول المرشحين الخاسرين النتائج؟ وهل يجب الطعن لتُدان نتيجة ثبت تزييفها بطريقة أو بأخرى؟
الجواب: بعد الإعلان، لا شيء. هنا، ينتهي دور هيئات المجتمع المدني المكلّفة المراقبة. هذا ما يؤكّده المنسق العام للجمعية اللبنانية جيلبير ضومط. وأكثر من ذلك، يقول ضومط إنّ «الجمعيات الأهلية المكلّفة مراقبة الانتخابات لا سلطة قانونية لها سوى تسجيل المخالفات وتوثيقها». أما مصير المخالفات، فيشير ضومط إلى أنّ «الجمعيّة اللبنانية وأيّة جمعية أخرى تضع ما رصدته في عهدة الرأي العام، ووزارة الداخلية، والبلديات والنيابة العامة والمجلس الدستوري من خلال تزويد كلّ واحدة منها بنسخة عن التقرير الذي يتضمّن المخالفات».
تؤكّد إحدى منسّقات الحملة المدنية للإصلاح الانتخابي، التي رفضت ذكر اسمها، ما قاله ضومط، «دورنا كمراقبين هو لحظ المخالفات وتوثيقها لنسهّل على مقدّم الطعن الاستعانة بما رصدناه، أي إننا نؤمّن له جزءاً من مادة الطعن فقط». وباختصار «نحن أشبه بمواطنين صالحين مكلّفين التبليغ عن الأخطاء ودورنا يقف عند حدود المراقبة».
إذاً، هنا ينتهي دور الهيئات المكلّفة المراقبة. تُرمى المخالفات في عهدة المتأذّين من الانتخابات والجهات الرسمية المعنيّة. ومن المفترض هنا أن يبدأ دور وزارة الداخليّة والدستوري.
في وزارة الداخليّة، تُضاف إلى التقارير التي تصل من الجمعيات المدنية المتضمّنة مخالفات المرشّحين تقارير هيئة الإشراف المكلّفة مهمّات ممارسة الرقابة على الإنفاق الانتخابي للمرشحين ووسائل الإعلام، إضافةً إلى تلقي شكاوى المرشحين وماكينات الأحزاب الانتخابية. تقوم الهيئة أيضاً بإعداد تقرير عنها ورفعه إلى وزير الداخلية زياد بارود. هذا من جهة، أما من الجهة الأخرى، فستُبقي على نسخة من هذه التقارير في سجلات الوزارة لوضعها في تصرّف المجلس الدستوري في حال تقدّم أحد الخاسرين بالطعن أمامه.
هنا أيضاً ينتهي دور الهيئة، تاركة أمر التصرّف لوزيرها، الذي أعلن في اتّصالٍ مع الأخبار أنّ «كل المخالفات التي جرى توثيقها داخل الهيئة أو عن طريق هيئات المجتمع المدني ستُنشر مع الملاحظات عليها على الموقع الإلكتروني الخاص بالانتخابات النيابيّة التابع للوزارة، وذلك تعزيزاً لحق المواطن في الاطلاع عليها وفقاً للقانون». كما يلفت بارود إلى أن الوزارة «لن تتوانى عن تزويد المرشحين بما يطلبونه من معلومات خاصة بالعملية الانتخابية لو طلبوا ذلك».
ولا يكتفي بارود بهذا الإجراء «الأوّل من نوعه»، كما يصفه. فقد عمدت الوزارة، تطبيقاً للمادة 101 من القانون، وتسهيلاً لعمل المجلس الدستوري، إلى «حفظ أوراق الاقتراع ضمن رزم تشير إلى الأقلام الواردة منها، لدى مصرف لبنان، وذلك لمدة 3 أشهر من تاريخ إعلان النتائج». وبحسب هذا الإجراء، يستطيع القاضي المقرّر، وهو المكلّف إعداد ملف الطعن، الاطّلاع على هذه الأوراق إذا ما احتاج إليها، بالطلب المباشر من وزارة الداخلية ومصرف لبنان.
أكثر من ذلك، تقوم الوزارة الآن تعزيزاً للشفافية، بنشر تفاصيل نتائج أقلام الاقتراع على موقعها الإلكتروني، إضافة إلى إعادة تصحيح لوائح الشطب وإجراء «نفضة» لقلم الأحوال الشخصية وإخراجه من «حالته العثمانية».
أما إحالة ملف المخالفات على المجلس الدستوري، فلفت بارود إلى أنّه يجري بناءً على طلب المجلس نفسه في حال وجود طعن. وهو أسلوب المجلس نفسه مع جمعيات المراقبة، وإن كانت الأخيرة ترسل نسخة إليه من تلقاء نفسها، غير أن المجلس الدستوري لا يطّلع عليها. وبحسب مصدر من المجلس رفض الإفصاح عن اسمه، فإنّ «المقرّر المعني لا ينظر سوى في الطعن المقدّم وفقاً للأصول». غير أن ذلك لا يعني تجاهلها تماماً، إذ يشير إلى أنّه «قد يُستعان بهذه التقارير في حال وجود أدلّة على المخالفة، موثّقة وجدّية». وقد يستعين المجلس بـ«شهود» من الجمعيّة للاطّلاع على تفاصيل التقرير، كما حصل عام 1997 عندما استعان المجلس ببارود الذي كان مراقباً تابعاً للجمعية اللبنانية من أجل ديموقراطية الانتخابات في محافظة الجنوب.
لكن، برغم ذلك، لم تُسقط المخالفات المخالفين في الدورة السابقة، لأنّها «لم تكن ربما كافية لإثبات المخالفات»، كما يشير ضومط. بالملخّص، لا إبطال للنتائج إلا إذا تقدم المرشحون المتضررون بطعن. أما المواطنون؟ فلهم الله، كل أربع سنوات.