موجة الذعر التي خلفها وباء «انفلونزا الخنازير»، الذي إجتاح العالم إنطلاقا من المكسيك، حطّت رحالها في مطار بيروت الدولي، لتخوف العاملين في المطار من التقاطه عبر المسافرين القادمين من بلدان مصابة به. وأمس رفعت منظمة الصحة العالمية درجة الانذار للسادسة والاخيرة معلنة تحول الفيروس الى وباء عالمي، ما ينتظر ان ينعكس على موظفين يعانون من اعراض معاملتهم على اساس انهم «مشروع مصاب»
ديالا الصايغ
«بعّد عني، ما بدي سلّم عليك، أكيد لقطت فيروس أنفلونزا الخنازير». لم يكن ما تقدم مجرد كلام قالته ريم (اسم مستعار) الموظفة في المطار، لخطيبها ربيع (اسم مستعار هو الآخر) الموظف في قسم القادمين. فقد كان الرعب المختلط بنوع من الضحك بادياً على وجهها، منبئاً ربيع، الذي يعمل في قسم الوصول في السوق الحرة في مطار بيروت الدولي، أن مخاوف الحبيبة الخطيبة، جدية، برغم الضحك المرافق لتعبيرها ذاك عن الهلع. كان ذلك، منذ أيام بعد إعلان وزارة الصحة اللبنانية عن إصابة خمسة مسافرين لبنانيين بفيروس «اتش1 ان1» كانوا على متن طائرة إماراتية وصلت بيروت في 6 حزيران من الشهر الجاري.
يحاول ربيع تهدئة خطيبته، يقول لها إن وزارة الصحة وزّعت المضاد الحيوي الشهير منذ أنفلونزا الطيور، التاميفلو، علاجاً وقائياً. إضافة إلى أنها وزعت كمامات وقفازات على الموظفين، الذين هم على تماس مع المسافرين القادمين إلى لبنان في منطقة الوصول في المطار. لكن ريم بقيت على شكها، وكان على ربيع أن يؤكد لها أنه يضع الكمامة باستمرار لكي تقبل أن يلمس يدها، مجرد لمس.
هذه الحال ليست حال الجميع بالطبع، فالإجراءات المتخذة في المطار، لجهة التعامل مع المسافرين القادمين، طمأنت العديد من العاملين ولو أنها لم تطمئن الكل. فما إن تصل طائرة من بلاد وقعت ضحية الأنفلونزا، حتى يشخّص قسم الرصد الوبائي التابع لوزارة الصحة الوضع الصحي للركاب. وإذا كان هناك إصابات بينهم، يوضع المصابون في الحجر الصحي، حيث يخضعون للعلاج. عندها يُبلّغ الموظفون والعاملون في المطار بأنّ هناك طائرات على متنها مصابون بالفيروس، فيضعون الكمامات لممارسة أعمالهم المختلفة التي تجعلهم على احتكاك بهؤلاء، كي لا يلتقطوا العدوى.
أما بالنسبة للمنطقة الحرة، فإن موظفي الأمن العام وشركة الخدمات التابعة لـ«طيران الشرق الأوسط» ترحّل، حسب ما قال لنا موظفون في المطار رفضوا ذكر اسمهم، الحالات المصابة بالفيروس أو المشتبه فيها من باب خلفي في المطار، بما يمنع مرورهم في المنطقة الحرة، تلافياً لاختلاطهم مع الموظفين.
ومع كل تلك الإجراءات، لا يزال العديد من عمال المطار وموظفيه مذعورين. «المرض صار بيخوف، شو بيضمن انو ما تمرق حالة إصابة عن طريق الخطأ من دون أن تُرصد»، مشيراً إلى أنه «لا منافذ ليتجدد الأوكسجين في المطار، فنحن نتنفس من هواء المكيفات، وبالتالي أي حالة من شأنها أن تؤثر وتسهم بنقل العدوى».
بدورها، تتخوف ديالا، وهو اسم مستعار آخر، من «أنّ إدارة المنطقة الحرة لم تلزمنا بوضع الكمامات، إذ سيصبح منظرنا غير مقبول، الأمر الذي قد يسبب تهريب الزبائن» على حد تعبيرها، وبالتالي ستكبد الإدارة خسائر مالية هي بغنى عنها. فيما يرى سامي أنّ وضع الكمامة والقفازات أمر غير عملي ويعيق حركة الموظف، خاتماً حديثه بـ«الاتكال على الله».
بالانتقال إلى مفتشي الأمن العام، لا يبدو وضعهم أفضل بكثير من العاملين في المنطقة الحرة. فحتى عناصر الأمن لا يتخذون الاحتياطات بما يكفي. وبالرغم من أنهم في احتكاك مباشر مع المسافرين، إلا أنهم يكتفون بوضع الكمّامات عند الاشتباه بحالات مصابة بفيروس «أتش وان أن وان».
في المقابل، يسجّل لبعض الشركات العاملة في حرم مطار بيروت تقيّدها بالتعليمات الصادرة عن وزارة الصحة. فشركة «ميز» التابعة لشركة طيران الشرق الأوسط، التي تتولى موضوع الصيانة والخدمات في مطار بيروت، وزّعت الكمامات والقفازات على موظفيها لتضمن سلامتهم، وفق ما جاء على لسان أحد العاملين فيها.
أمّا شركة «ليبان نت» التي تعنى بشؤون النظافة، فقد اتخذت إجراءات عادية وأخرى فوق العادية لمواجهة فيروس «اتش وان أن وان».
عن الإجراءات العادية التي تتبع للوقاية من فيروس «أنفلونزا الخنازير» يشرح أحد المسؤولين في هذه الشركة كيفية تطبيقها، لا سيما أنّ العاملين في «ليبان نت» يكونون أول أشخاص على احتكاك مع المصابين، «بعد وصول أي طائرة، يتوجه العاملون إلى قاعة الطائرة لتنظيفها، ما حتّم عليّ إلزامهم بوضع الكمامات والقفازات، عند قيامهم بأعمالهم».
ورغم أنه يمنع على موظفي «ليبان نت» الاقتراب من المسافرين، إلا أنّ عملهم يفرض عليهم لمس أدوات والوجود في أماكن قد تكون ملوثة، وتعرضهم لخطر الإصابة بأي أمراض معدية.
أمّا الإجراءات فوق العادية، فيلجأ إليها موظفو «ليبان نت» بعد التأكد والإبلاغ عن وجود إصابات على الطائرة، الأمر الذي يستدعي مزيداً من الحرص والحذر، بحيث تفصل النفايات الموجودة على متنها وتوضع في مستوعبات خاصة، يعقبها خضوع الموظفين لمراقبة صحية لضمان سلامتهم».
في المحصلة، يبقى إعطاء القادمين إلى لبنان استمارات ومتابعتهم من الوزارة، وتزويدهم بأرقام هواتف أطباء وزارة الصحة للاتصال بهم في حال ظهور أي عوارض للأنفلونزا عليهم، فضلاً عن الكاميرا الحرارية التي تعمل على قياس درجات حرارة المارة ورصد أي ارتفاع عن درجة الحرارة الطبيعية، والتي وعد وزير الصحة محمد خليفة بتركيبها في مطار بيروت، مجرد إجراءات قاصرة ما لم تُجرَ عمليات فحص طبي وقائي للركاب القادمين، وتعميم الوزارة إرشاداتها الملزمة على الإدارات الواقعة ضمن حرم المطار بما يضمن سلامة العاملين فيه. إلى حينه يبقى لسان حال الموظفين، درهم وقاية خيرٌ من قنطار علاج، ولو أن «قنطار العلاج» كان ليجعلهم أكثر اطمئناناً في ممارسة أعمالهم.